إن كل ممنوع مرغوب، ومنع اليوتيوب سيزيده انتشارا، وسيجعل من أفلامه وممنوعاته، التي لا تشكل بالمناسبة إلا نسبة قليلة من عظيم فوائده، أقول إن المنع سيجعل منها مادة منتشرة في كل مكان وسيوصلها إلى فئات وشرائح لم يكن قد وصلها من قبل.
أقولها بكل أمانة... أستطيع أن أفهم منطلقات من يريدون إيقاف موقع اليوتيوب، وأدرك أنها غيرة حقيقية على الدين والأخلاق، وأنهم يرون أنفسهم في موقع المكلف شرعا بالقيام بواجبه ودوره تجاه هذا الأمر، والمساءل عن ذلك إن هو تخاذل، لكن يا جماعة والله ما هكذا تورد الإبل!يا سادة... يا كرام، إن أسلوب المنع والبتر والقطع والنزع، وكل الأساليب التي تظنونها جذرية، تقطع العرق «وتسيّح» الدم، ما عادت صالحة في هذا الزمان، ولا هي بذات جدوى في عصرنا الذي تطورت فيه التقنية وتقدمت بشكل لا يمكن تصديقه.يملؤني الاستغراب من كيف لا يوجد في صف من يطالبون بمنع اليوتيوب من يمتلك ولو أبجديات عالم الإنترنت، ناهيك عن أن يكون معهم من هو متخصص في هذا المجال وعارف به. إن مجرد التفكير بمنع موقع على الإنترنت، أي موقع كان، هو تفكير خاطئ تماما، ولا أريد أن أقول إنه غبي!ألا يعلم من يطالب بالمنع بأن اليوتيوب ما هو إلا موقع واحد من عشرات وربما مئات المواقع المشابهة التي تختص بنشر وبث أفلام الفيديو، وأنها آخذة بالتزايد بأحجام وأشكال أكثر تطورا؟ فهل ترانا سنواصل منع كل هذه المواقع؟! ألا يعلم من يطالب بالمنع بأن هناك برامج متخصصة بالدخول إلى قاعدة بيانات اليوتيوب من دون الحاجة للمرور بالموقع الرئيسي والوصول إلى كل الأفلام الموجودة فيه وتنزيلها إلى الكمبيوتر الشخصي، بل تحويلها إلى صيغ جاهزة للعرض على أجهزة الهاتف النقال؟ فهل ترانا سنفكر بمنع هذه البرامج أيضا، أو ربما منع الهواتف النقالة التي تعرض الفيديو؟ ألا يعلم من يطالب بالمنع بأن هناك مواقع وبرامج تقدم خدمة «البروكسي»، وهي التي تمكن المستخدم من تجاوز وسائل المنع التي تفرضها الحكومات وشركات تزويد خدمة الإنترنت، والوصول إلى أي موقع يريد الوصول إليه بضغطة زر؟ فهل سنكافح هذه المواقع والبرامج أيضا؟!الحكمة... الحكمة يا سادة. إن فلسفة المنع والقمع لم تنجح في أي يوم من الأيام في أي مجال خصوصا في المجال الإعلامي، والشواهد على ذلك كثيرة، وأقربها تجربة دولة مجاورة أقامت صرحا متخصصا في مراقبة الإنترنت ومنع مواقعه غير المرغوب فيها، واجتاحتها بالرغم من ذلك كل الممنوعات وتم تداولها بين مستخدمي خدمة الإنترنت فيها ربما بأضعاف أضعاف ما هي عليه الحال في الدول الأخرى.إن كل ممنوع مرغوب، ومنع اليوتيوب سيزيده انتشارا، وسيجعل من أفلامه وممنوعاته، التي لا تشكل بالمناسبة إلا نسبة قليلة من عظيم فوائده، أقول إن المنع سيجعل منها مادة منتشرة في كل مكان وسيوصلها إلى فئات وشرائح لم يكن قد وصلها من قبل.أرجوكم، اتقوا الله في العقل والمنطق والموضوعية، وفكروا بشكل سليم، فالأمر ليس مجرد «إبراء للذمة أمام الله بأنكم عملتهم شيئا»، فهذا خطأ تماما!يا سادة يا كرام... استشيروا المتخصصين، وابحثوا عن الوسائل الصحيحة لتحصين المجتمع من سلبيات الإنترنت ومواقعها، وهذا أمر سنؤازركم فيه جميعا، ولن يكون فيه أي مجال للخلاف، ولن يصبح مادة لمعركة سياسية أخرى، أما ما يحصل الآن فهو عبث ومضيعة للجهد والوقت والمال، ناهيك عن أنه يقوم على أسلوب خاطئ جملة وتفصيلا، لن يقود إلاّ إلى توسيع المشكلة وتعميقها!
مقالات
خطأ الأسلوب في منع اليوتيوب!
02-10-2008