لا أحد ينكر وجود الديمقراطية، ولكنها ديمقراطية من نوع خاص، فالديمقراطية بتعريفاتها المتعددة والمتنوعة بداية من حكم الشعب نفسه بنفسه، نهاية بمبدأ تداول السلطة، ومروراً بحرية التعبير وحق النقد واحترام الأغلبية رأي الأقلية والتزام الأقلية بقرار الأغلبية، والحفاظ على الكرامة الشخصية والحقوق الإنسانية للفرد داخل المجتمع... إلخ.

Ad

هذه التعريفات كلها والصور المختلفة للديمقراطية لا نرى منها سوى ديمقراطية الصراخ وحق استجواب الوزراء. إن اختزال الديمقراطية فقط في «حق الصراخ» واستجواب النواب للوزراء هو اختزال مرفوض، وهو أكثر ما يشوه الديمقراطية ويعتبر في حد ذاته من الظواهر السلبية والدخيلة على المجتمع الديمقراطي.

أعتقد أن عدد استجوابات النواب للوزراء نسبة إلى عدد النواب يفوق كثيراً عدد الاستجوابات المقدمة في مجلس العموم البريطاني (أقدم الديمقراطيات الغربية). والقضية ليست في عدد الاستجوابات أو التهديد بها، ولكن في أن يقتصر مفهوم الديمقراطية على هذا الأسلوب فقط، خصوصا إذا ترسخ هذا المفهوم لدى الشباب والأجيال القادمة... فأي أمل يرتجى في أن ترتبط الديمقراطية فقط باستجواب الوزراء وحرية الصراخ هنا وهناك.

إن اختزال الديمقراطية في هذا المفهوم فقط هو ما دفع بعضهم إلى اقتراح قانون بتجريم مَن يطالب بحل مجلس الأمة وسجنه 5 سنوات!! ففضلاً عن أنها أكبر عقوبة لقضية هي في الأساس قضية رأي، فإن بعضنا يرى أن مجلس الأمة لا يقوم بدوره ويطالبون بحله، فلا جريمة في ذلك لأنه سواء زاد أو قل، أم قبلناه أو رفضناه، فهو مجرد رأي لأصحابه الحق في التعبير عنه مهما حدث، أما ان يكون رد فعل المجلس المطالبة بسجنهم بدعوى المحافظة على الديمقراطية!، فأي ديمقراطية تلك التي تسجن أصحاب الفكر والرأي مهما كانت مخالفتهم لما نعتقد فيه.

مجدداً أشير إلى أن الخطورة لن يشعر بها هذا الجيل ولن يراها، ولكن تكمن الخطورة في الأجيال القادمة حين يقتصر مفهوم الديمقراطية في المحافظة والحرص على حقوق النواب فقط في التعبير واستجواب الوزراء، وأنهم وحدهم المسموح لهم بالحديث والتعبير بالرغم من أنهم يمثلون الشعب، فكيف يكون مسموحاً لممثلي الشعب أن يتحدثوا ويُحرم الشعب نفسه من الكلام؟!

سيعترض كثيرون بدعوى أن الكويت هي واحة الديمقراطية في الخليج، وأنها من أكثر الدول العربية ديمقراطية. لا خلاف على ذلك، ولكننا نتحدث عن الصواب المطلق وليس النسبي نتحدث عما يجب أن يكون وليس ما هو كائن فعلاً، ولا نقارن بين دولة وأخرى أو بين مجلس أمة ومجلس شورى، ولكن نتحدث عن الديمقراطية في ذاتها وليس مقارنة بالآخرين.

أخشى أن ينقلب الحال وتعتبر الديمقراطية الحقيقية ذات يوم من «الظواهر السلبية»، التي تقوم اللجنة «إياها» ببحثها ودراستها... فهل سيجيء مثل هذا اليوم أم اننا نراه بالفعل؟!