العرب وعشق التصريحات الإيجابية
«شخصيا... أعتقد أن الانتخابات الرئاسية القادمة لن تكون مجرد انتخابات لاختيار رئيس جديد إنما لإعادة تعريف دور الولايات المتحدة في حقبة مهمة»... المستشار بريجينسكي.«تصريحات إيجابية» كثيرة صدرت من الإدارة الأميركية الجديدة تجاه العرب والمسلمين، وتلك العبارة تصدرت أغلب الصحف العربية في الأسبوع الماضي، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي الجديد استراتيجيته «الناعمة» تجاه العالمين العربي والإسلامي.
أقول ذلك بعد متابعتي حديثا تلفزيونيا للمستشار روبيرت ماليه، مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة «إنترناشيونال كراسيس غروب» أي مجموعة الأزمات الدولية، حيث توقع ماليه تغييرا في مسار السياسة الخارجية الأميركية يأخذ نمط «الانقطاع الفوري» مع بعض سياسات الرئيس الأسبق بوش، كإغلاق معسكر غوانتانامو، وبدء سحب القوات الأميركية من العراق، وانفتاح أكبر على العالمين العربي والإسلامي، وتعزيز عناصر الاستمرارية والأسس التقليدية لسياسة واشنطن.وتحدث ماليه أيضا عن تعديل في رؤية الولايات المتحدة تجاه قضايا الانفتاح الأميركي باتجاه سورية وإيران وتبني المفاوضات الثنائية مع الأطراف كافة، بشرط المعادلة بين الحوار مع الدولة وأبعادها عن «الأحزاب التي يراها الغرب تشكل تهديدا أمنيا للمنطقة»... الدور الذي سيحدد الوزن الإقليمي للدول العربية الراغبة في الإمساك بزمام المبادرة.ويختم ماليه حديثة بالتأمل في السلام العربي مع إسرائيل، الذي على حد تعبيره، سيدفع الدول إلى إعادة رسم علاقاتها مع جهات كـ«حزب الله» و«حماس» وغيرهما من الداخل والخارج من قوائم التأزيم الإقليمي، إلى جانب الاحتواء لدول كإيران وسورية بفاعلية.وأكثر ما يلفت الانتباه في الإدارة الجديدة هو اختيار أوباما لزبيغنيو بريجنسكي مستشارا له، والمعروف عنه ميله، أيام الرئيس كارتر، إلى «الواقعيين الجدد» التيار الذي ينادي بإعادة تقييم العلاقات الخارجية، وعلى الأخص العلاقات الأميركية-الإسرائيلية والاتجاه نحو حسم الملف الفلسطيني عن طريق فتح الحوار المباشر مع الأطراف الفلسطينية. ونفوذ الواقعيين الجدد في فريق أوباما رد فعل تجاه «المحافظين الجدد» الذين فشلت سياستهم في عهد الرئيس السابق بوش، والطريف في الموضوع أن بريجينسكي أثار في العام الماضي غيظ مؤيدي إسرائيل، حين كتب مقالا في الـ«فورين بوليسي» دافع فيه عن كتاب اللوبي الإسرائيلي والولايات المتحدة للباحثين السياسيين الأميركيين: ستيفن وولت من جامعة هارفارد، وجون ميرشيمر من جامعة شيكاغو... عن النفوذ غير المناسب لحجم اللوبي الإسرائيلي في السياسة الخارجية الأميركية، والذي نشرته جريدة «الجريدة» في يناير 2008.واتفق برجينسكي مع الكاتبين بأن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يعطل سبل الحوار الحقيقي حول علاقة الولايات المتحدة بدوائرها السياسية بشأن الصراع الدائر بين العرب واليهود، ويضعها في عزلة.خلاصة الموضوع، أن العوامل المساعدة لظهور موارد ومؤشرات جديدة للعب دور إقليمي في المنطقة كثرت، وتغلبت الوجوه الاستشارية الأجنبية على العربية في الإدارة الدولية، وتقوم بالدورين الاستشاري والإعلامي معا لرسم الصورة الاستراتيجية العربية الجديدة، أما الطرف العربي فمازال الجهد يدور في فلك المبادرات والمؤتمرات التي قلما جمعت أهل العلم والمشورة بأصحاب القرار السياسي.نحن بحاجة إلى تفعيل دور المستشار أو الأكاديمي العربي، ليقف كناطق رسمي أمام الفضائيات العالمية ويتحدث، على سبيل المثال لا الحصر، عن الدور الخليجي بعد فترة الانسحاب الأميركي من العراق، ومدى توازن الانسحاب مع المصالحة السياسية داخليا وخارجيا، وعن الدور المستقبلي لمنظومة دول الجوار في المنطقة. وللحديث بقية. ***كلمة أخيرة: قديماً كنا نشهد التسابق على الوكالات التجارية، حتى يفوز بها الوكيل الحصري، واليوم نرى السباق الماراثوني حول من سيفوز بالوكالة الحصرية لاستجواب رئيس الوزراء، ولا عزاء للقيادة في العمل البرلماني.وكلمة أخرى: «الخطط التحفيزية الاقتصادية»... المطلوب ليس مداواة الجرح الاقتصادي والمالي إنما تحفيز القطاعات المختلفة لرفع سقف «الإنتاجية».