هدأت عاصفة الانتخابات بعدما هبت رياح التغيير فيها لتغربل ليس فقط تركيبة مجلس 2008 إنما جميع البرلمانات السابقة منذ عام 1963، وكانت الرسالة الشعبية الأبلغ في الانتخابات الأخيرة بعنوان التغيير من أجل التغيير، وحتى المفاجأة السارة في انتصار المرأة يمكن النظر إليها من زاوية التغيير أيضاً، فالعناصر النسائية الفائزة في السباق البرلماني دخلت المنافسة بكفاءتها وجدارتها وليس بأنوثتها فقط، فالنائبات الجديدات جميعهن من حملة شهادة الدكتوراه ومن أساتذة جامعة الكويت تحديداً، أعلى مؤسسة تعليمية في البلاد، والنسوة الأربع الفائزات إلى جانب الكثير من المرشحات تحَملّن جهد الحملة الانتخابية وعناءها على الطريقة الكويتية سواء في إقامة الندوات الانتخابية أو الظهور الإعلامي أو زيارة الديوانيات الكثيرة ناهيك عن الاتصالات الشخصية وكواليس المفاتيح الانتخابية.

Ad

أما الذوق العام في الشارع المحلي المصاب بحالة من التململ والضجر والغضب من الوضع السياسي الرتيب وتلقي فكرة التغيير، فكان من مفاتيح الفوز الكاسح للمرأة إضافة إلى ترجيح كفه الوجوه الجديدة من الرجال، لذا فإن نسبة التغيير في مجلس 2009 فاق متوسط التغيير البرلماني على مر نصف قرن من الزمن والبالغ %30. ولهذا فإن المجلس الجديد يمكن اعتباره رسالة واضحة من الشعب الكويتي من جهتين أولاً إرادة التغيير والقدرة على ذلك والرهان على فلسفة سياسية جديدة لم توضع على المحك الحقيقي بعد، وهذه الإرادة اعتمدت إلى حد كبير على استبعاد التيارات السياسية وتهميشها وتفضيل الشخصيات المستقلة التي لم تختبر من قبل.

ومن جهة أخرى، فإن رسالة الشعب الكويتي تحمل بين طياتها حلم التنمية والاستقرار، وهذه الرسالة من الوضوح بمكان لدرجة أن هذا الذوق الشعبي لامس الدوائر الانتخابية المختلفة، وانعكس حتى في الأرقام التي حصل عليها النواب الفائزون، وفي انكسار الحواجز المذهبية والطبقية والقبلية في التصويت من خلال الأرقام المشتركة بين المرشحين في التوجهات والانتماءات المختلفة، خصوصاً في الدوائر الانتخابية الأولى والثانية والثالثة.

وإذا كان الرهان المستقبلي في طريقة أداء المجلس القادم وقدرة نوابه على تنظيم الصفوف وترتيب الأولويات بما يخدم المصلحة العامة للمواطنين في إطار الدستور ومن وحي الدفاع عن المكتسبات الشعبية والانتصار للقانون وحماية الأموال العامة، لايزال في رحم المجهول، فإن الناخب الكويتي قد أبرأ ذمته إلى حد كبير واستجاب لرغبة سمو الأمير ولوسائل الإعلام وأصحاب الدواوين والتجمعات الشعبية وأحدث التغيير المنشود.

وإذا كان الحلم الكويتي في إيصال المرأة إلى قبة البرلمان قد تحقق وحّول مجلس 2009 إلى مجلس السيدات والسادة، فإن الكرة أصبحت في ملعب الحكومة التي نتمنى على رئيسها القادم الشيخ ناصر المحمد أن يقرأ بتمعن وجدية هذه الرسالة الشعبية، ونقول لسمو الرئيس إذا كان الشعب الكويتي برجاله ونسائه بطوائفه المختلفة وقبائله المتعددة ومن مناطقه جميعاً قد استقر على أهمية التغيير وأجمع على ضرورة إحداث فلسفة سياسية جديدة للمرحلة القادمة، فمن باب أولى أن تكون خبرتك الطويلة وتجارب حكوماتك السابقة ووجودك على رأس السلطة التنفيذية تحاكي وتتناغم مع هذه الإرادة الشعبية، وها هو الشعب الكويتي قد بادر سموكم بتحية طيبة وهو يستحق رد التحية بمثلها أو أحسن منها!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء