ملخص الحلقة السابقة

Ad

• تأخرت حوالة قيمتها 200 جنيه استرليني، فوقعت غيرترود في ورطة مالية أنقذتها منها فاطمة جدة الأمير الشاب ابن رشيد، المسؤولة الحقيقية عن خزينة إمارة آل رشيد.

• في عام 1916 أصبحت الخاتون المسؤول النسائي الوحيد في القوات البريطانية وتعرفت خلالها على فيلبي (الشيخ عبدالله فيليبي)... ويقال إنها علّمتْه فنونَ التجسس الدقيقة!

• أثناء إقامتها في قصر الضيافة، وثقت غيرترود زيارتها لحائل والتقطت صورا فوتوغرافية نادرة تُعد اليوم مرجعا مهما عن أحوال المدينة قبل 90 عاما.

• لخبرتها الواسعة في شؤون المنطقة العربية اختيرت الخاتون مع 39 رجلا للمشاركة في مؤتمر القاهرة عام 1921 حول مستقبل العراق.

• بمجرد تنصيب الملك فيصل على العراق، أصبح التقرب إلى الخاتون وكسب ثقتها ورضاها هدفا لكثيرين من الساسة والمتطلعين إلى المناصب والنفوذ، ومن يعاديها كان جزاؤه النفي والإبعاد.

• ذاق والي البصرة طالب النقيب -الذي كان مرشحا لاعتلاء عرش العراق في العشرينيات- مرارة الانتقام من غيرترود وتعرض للنفي خارج البلاد.

• «أنا أحب بغداد... إنها الشرق الحقيقي تغمرني على الدوام وتحتويني برومانسيتها»... الخاتون.

• كانت غيرترود من أوائل من اهتم بالآثار العراقية وجمعت المصنوعات اليدوية وعملت بين عامي 1923 و1926 على إنشاء متحف للآثار في بغداد وأصبحت مديرة له.

• غيرترود بيل خلَّفت وراءها أرشيفا ضخما بلغ 7000 صورة، أودعت في مكتبة جامعة نيوكاسيل عن حياة شعوب الشرق الأوسط.

إنني إذ أقدم على تعريب هذه التقارير إلى اللغة العربية، فإن ذلك لا يعني أنني متفق مع ما جاءت به الكاتبة من آراء واستنتاجات، ولكنني أقدمت على تعريب هذه التقارير لأن الكاتبة قدمت معلومات توثيقية عن أحداث مهمة مر عليها ما يقرب من تسعة عقود وقد اطلعت فئة قليلة على هذه المعلومات... لذا وددت تعميم الفائدة لكسر حاجز اللغة، آملا بهذا العمل أن أكون قد أضفت جديداً إلى المكتبة العربية.

المترجم

التركيبة القبلية

في هذه الحلقة تشير غيرترود بيل في رسائلها السرية التي نشرتها «النشرة العربية»، إلى التركيبة القبلية للمناطق المحيطة بالخليج العربي، ولاسيما المحمرة والبصرة والفاو والكويت، في عام 1916، إذ كان الصراع يدور على أشده بين الأتراك والبريطانيين والفرس، وهي القوى الثلاث التي سيطرت على مجريات الأحداث في ذلك الوقت، بيد أن الخاتون بيل تلفت نظر البريطانيين إلى أن هناك أطرافا أخرى أكثر فعالية وحضورا في تفاصيل الحياة اليومية تتمثل في خريطة العلاقات القبلية للمنطقة المحيطة بشط العرب، لذا شرعت في توصيف وتحليل طبيعة العلاقات القبلية وتجذرها وأنماطها وأبعادها. وخلصت في نهاية استعراضها وتقييمها للصورة على أرض الواقع إلى ضرورة أن يلتفت الساسة والاستراتيجيون البريطانيون إلى التركيبة القبلية وأبعادها،

وأخذها بعين الاعتبار لدى صياغتهم لنوعية التحالفات والتحركات، حرصا على مصالح بريطانيا العظمى. وتبدأ غيرترود نبذتها في «النشرة العربية» في السابع من أكتوبر 1916، قائلة:

نبذة عن السلطة القبلية لشيخ المحمرة

إن الحدود السياسية لولاية البصرة العثمانية لا تتماثل مع الحدود القبلية المستقلة لشيخين عربيين عظيمين، هما شيخا الكويت والمحمرة. فشيخ الكويت تحت الحماية البريطانية التامة أكثر من شيخ المحمرة الخاضع اسمياً للسيطرة الفارسية، وأثر شيخ الكويت على البصرة أقل من أثر شيخ المحمرة. لقد استقرت قبائل الأخير في مناطق الفاو، ومنها فخذ المحيسن الذي ينتمي إلى قبيلة بني كعب (والمحيسن فخذ الشيخ خزعل الخاص) فقد استقر هذا الفخذ على ضفتي شط العرب من أعالي البصرة إلى الفاو. وهناك عدد آخر لا بأس به ممن يعتبرون شيخ المحمرة مرجعاً لهم، وكانت علاقتهم ضعيفة بالمحيسن إلا أنهم كانوا يخضعون للسلطة الكاملة للشيخ مثلهم مثل القبيلة ذاتها. إن توسع المحيسن جاء بسبب فساد الحكومة التركية وضعفها مما أعطى الأفضلية للسلطة القبلية تحت حكم شيخ المحمرة.

خريطة انتشار جغرافي

لقد شكل المحيسن الأغلبية العظمى للسكان في الناحية اليسرى لشط العرب، من المفتي أعلى البصرة حتى المحمرة في منطقة الحرثة، على الضفة اليمنى لشط العرب من نهر عمر إلى خور الخندق بجوار البصرة. وهناك بعض الفلاحين في الامتداد الخصب للنهر من الخور جنوب البصرة على الضفة اليمنى لشط العرب، وحتى وادي أبو الفلوس، 5 أميال من أبو الخصيب (باستثناء جماعة صغيرة متمركزة حول أبو الخصيب)، حيث ملاك الأرض والفلاحين من المحيسن. ويتمركز أغلبية الفلاحين حول الدواسر في منتصف الطريق بين أبو الخصيب والفاو، بينما يقيم في منطقة الفاو المحيسن وبقية أفخاذ بني كعب.

لا غضاضة بين السُّنة والشيعة

وفي الماضي لا يُعترف بأي قضاء سوى حكم الشيخ خزعل، إذ كانوا يذهبون إليه لتسوية النزاعات المدنية والجنائية، وحتى حوادث القتل، ولم يذهبوا قط الى المسؤولين الأتراك، وكان الشيخ يحكم بدفع الدية من جانب قبيلة القاتل والتي كانت تبلغ نحو 2000 قران (عملة تداول سائدة آنذاك). وكانوا يرجعون إليه من أجل الخدمة العسكرية التي كان يستدعيهم إليها عند الضرورة وحسب رغبته هو، وبغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.

ومن الملاحظ أيضاً أن السكان القاطنين ما بين خور الخورة حتى خور أبو الفلوس كلهم سُنّة، ومنهم فخذ المحيسن، الذي ينتمي بعض أفراده في المناطق الأخرى الى الشيعة، ولكن لا غضاضة في قبولهم حكم الشيخ خزعل الشيعي.

شيخ الكويت

وهكذا، تحت الحكم العثماني، كان الشيخ خزعل يحكم أجزاء شاسعة من ضفتي شط العرب، والمسؤولون الأتراك يقومون بوظيفة جمع الضرائب. فعندما يقوم الفلاحون بأداء الخدمة العسكرية تتأثر محاصيل أراضيهم الزراعية بغيابهم عنها، وتصبح عملية تحصيل عوائدها صعبة إن لم تكن مستحيلة.

وكانت علاقة فلاحي شيخ الكويت صاحب بساتين النخيل في منطقة الفاو مثل علاقتهم بالسيد الحاكم، مستقلة عن الحكومة العثمانية.

تجدر الإشارة إلى أن ملاك الأراضي (الإقطاعيين) لا يعيشون في أراضيهم، فكانت المؤسسات القبلية النشيطة هي المسيطرة على سكان ضفتي النهر. وكانت النزاعات التي تنشب بين أفراد أحد أفخاذ القبيلة ترفع إلى شيخ ذلك الفخذ، وتحل النزاعات إما بالاتفاق في ما بين شيوخ الأفخاذ المعنية أو بالرجوع إلى شيخ المحمرة في حالة استحالة التوصل إلى اتفاق، ويكون حكم الأخير نهائياً. ولهذا لم تخرج القضايا عن نطاق حكم الشيخ خزعل باستثناء أحد شيوخ الأفخاذ الصغيرة الذي كان يقطن المحمرة، ويمكننا القول بصفة عامة إن عددا كبيرا من قضايا الناس في قضاء (محافظة) البصرة يتم تسويتها عن طريق شيخ المحمرة باستثناء فخذين صغيرين حول البصرة وأبو الخصيب.

نهر الكارون

لقد اختلطت الأفخاذ المختلفة في بعض المناطق، ولكنها قد احتفظت بمؤسساتها القبلية (التقسيم على أساس الأفخاذ) بمنأى عن هذا الاختلاط، كما أن قوة النظام القبلي لم تتأثر باستيطان أسر عدة، وقلما حدثت زيجات بين الأفخاذ المختلفة.

اعتاد الكثير من أبناء المحيسن في البصرة على قضاء جزء كبير من السنة في العيش بالقرب من نهر الكارون للعناية بمحصول القمح، حيث يذهبون إلى هناك في بداية موسم الصيف الحار لجني المحصول، ومع أنهم من قاطني البصرة فإنهم يخضعون دوماً تحت حكم المحمرة.

أم الرصاص

تحت الحكم التركي، كانت العلامة الوحيدة على وجود السيادة العثمانية هي جمع الضرائب التي تحدثنا عنها، والتي مصدرها الشيخان (شيخ الكويت وشيخ المحمرة)، وهي علامة تدل على الصداقة القوية وتأدية الخدمات أثناء الحرب، وقد ساهما في الدعم المالي عن طريق المتحصلات الضريبية التي تجمع من ممتلكاتهما الشخصية حول شط العرب. وتقع الممتلكات الأساسية للشيخ خزعل قبالة المحمرة وتشمل جزءاً صغيراً من جزيرة أم القفاص، وكل من جزيرتي الرميلة وأم الرصاص، وخطا فاصلا بين أم الزين وصباح، على الضفة اليمنى لشط الزين، وبما أن هذه الأراضي لن تجبى منها ضرائب ويسكنها المحيسن الخاضعين لشيخ المحمرة، فقد أصبح الخطر يهدد السيادة البريطانية.

المصالح البريطانية

لم تظهر صعوبات خاصة بسبب الوضع الراهن في ما يخص الشيخين اللذين كانا أثناء الحرب من الأتباع الموالين والحلفاء المخلصين للسياسة البريطانية. وفي الوقت الحاضر، ترك الشيخ خزعل الأمور في أيدينا، ولكن المشكلة معقدة مرتبطة بالحفاظ والاعتراف بالسلطة القبلية للشيخين وحماية السلطة ذات السيادة لبريطانيا العظمى.

وبوجود العلاقات القوية ومجتمع المصالح المادية في ما بين الأطراف الثلاثة المعنية وعدم انشغالنا سيمهد الطريق لحل أي صعاب قد تنشأ.