إذا كان لأحد منا حق توزيع صكوك الوطنية فإن الذين قالوا لا لصدام في الثمانينيات (من سنة وشيعة)، فهم أولى الناس بتوزيعها، عندما كان الكل يطبل له!بين الحين والآخر تظهر موجات تشكيك موجهة ضد المواطنين الشيعة بسبب آراء قطاع كبير منهم حيال القضايا السياسية الإقليمية والمنعكسة عبر كتابها بالصحف. وللأسف الشديد ينساق بعض من هذا المكون الأصيل في المجتمع الكويتي دائما إلى التأكيد على ولائهم لبلدنا الحبيب، فيقعون في فخ الدفاع وكأنهم يستجدون رضا بعض الأطراف المشبوهة، وهو أمر مرفوض تماما. فنحن لسنا بحاجة لشهادة حسن سلوك من أحد و لا يحق لأحد كان أن يطلب منا إثباتات الولاء كما لا يحق له طلبها من أي مواطن بانتماءاته العرقية والطائفية المختلفة.
الشعب الكويتي مثل بقية الشعوب (إن لم يكن أكثر) متفاعل مع الأحداث الإقليمية التي تؤثر في حقوقنا كبشر وكمسلمين وكعرب، ومن الطبيعي أن يعجبوا بشخصيات عدة أو بسياسات خارجية عدة على اختلافها حسب مبادئ المواطنين المختلفة. ففي الستينيات مثلا ألهم جمال عبدالناصر قلوب ملايين العرب بسبب مناهضته لإسرائيل، وخرج الشعب الكويتي آنذاك في مظاهرات تأييدا له. فإذا كان هذا الحال في الستينيات فما بالكم في حال عصرنا الحالي مع ثورة الاتصالات والفضائيات حيث بتنا نستطيع معرفة كل ما يجري في العالم بالصوت والصورة؟ وبسبب ذلك بات لكل منا رأيه الخاص وإعجابه ببعض التجارب السياسية.
فأنا مثلا معجب بالرئيس الفنزويلي شافيز الذي وقف وقفة رجل ضد إسرائيل في حرب 2006، وهو موقف لم يتجرأ حتى بعض القادة العرب أن يتخذوه. كما إني مؤيد للمحور الذي يكونه شافيز ضد الهيمنة الأميركية الذي يضم رئيس بوليفيا المنحدر من الطبقة الفقيرة إيفو موراليس، ورئيس الإكوادور رافاييل كوريا ورئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا.
وأنا مؤيد وبقوة لجبهة الممانعة والمقاومة في الشرق الأوسط والمتمثل في محور «سني- شيعي» يضم سورية وإيران و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«حزب الله» وبقية فصائل المقاومة. بل وأعتبر هذا المحور خط الدفاع الأول عن الأمن القومي العربي والإسلامي وبالتأكيد الكويتي. فلولا هذا المحور لكان العالم العربي برمته تحت الانتداب الغربي، ولكان علم إسرائيل يرفرف في سمائنا «غصبا علينا».
ويشاركني هذا الرأي ملايين السنة في العالم العربي، ويكفي أن تستطلعوا آراء الشعب المصري وماذا تكتب صحافته، بل سأذكركم بخبر نشر قبل سنتين تقريبا عن تصنيف المصريين للتمر وتسميته على أسماء السياسيين، وكان أجود الأنواع وأغلاها تمر السيد حسن نصرالله وأتى تمر أحمدي نجاد ثانيا!
قد يشاركني بعضهم في هذا الرأي وقد يختلف معي بعض آخر جزئيا أو كليا، وفريق من هؤلاء يبني رأيه على منطق ومبادىء يؤمن بها ويرى مصلحة الكويت في اتجاه آخر، وهو رأي أكن له الاحترام مع اختلافي معه. أما أزلام سراق المال العام والجهلة والطائفيون والعنصريون فلا أملك إلا أن أقول لهم «بالطقاق... عساكم ما رضيتوا».
من ناحية أخرى، استغرب واستنكر بعض الزملاء بذهول انتقاد العديد من الشيعة لتصريحات وزير الخارجية الأخيرة، وهو أمر عجيب فعلا. فيبدو أننا بحاجة إلى إضافة شرط جديد لشروط إثبات الوطنية التي ذكرها الزميل د. صلاح الفضلي في مقاله الرائع، وينص هذا الشرط بأن تبصم بالعشرة على ما يقوله وزير الخارجية «بالطالعه والنازله»... وإلا فأنت مشكوك في أمرك! ولو اتبعنا هذا المنطق لكانت الأغلبية الساحقة من الشعب المصري غير وطنية لأنها تعارض سياسة حكومتها الخارجية المساهمة في حصار غزة والانبطاح للعدو الصهيوني!
ودائما يحاول بعضهم عبثا ربط الآراء المؤيدة للمقاومة بالمنظور المذهبي والعرقي، وهو ربط باطل بدليل أن الشيعة كانوا هم أغلبية المتظاهرين المشاركين بتظاهرتين إحداهما في 2002 خرجت تأييدا للانتفاضة الفلسطينية، والثانية في 2004 احتجاجا على اغتيال الشهيدين الشيخ أحمد ياسين ود. عبدالعزيز الرنتيسي (رحمهما الله)، مع أنه لو نظرنا بالمنظور الطائفي لكان من المفروض أن يشكل السُنة أغلبية الحضور. وفي المقابل شهدنا مشاركة سنية كثيفة في المظاهرات أثناء «حرب تموز» 2006. والغريب أيضا أن مسألة الاتهام بالولاء العرقي لم تظهر إلا بعد قيام ثورة الإمام الخميني (رحمه الله)!
لقد ولى زمن الثمانينيات يامَن تعتقدون بأن لكم حق توزيع صكوك الولاء. وإن كنتم تحتفظون ببعض من هذه الصكوك إلى الآن، فأنصحكم بأن «تنقعونها وتشربون مايها». بل إني سأذهب أبعد من ذلك لأقول إنه إذا (و أكرر إذا)، كان لأحد منا حق توزيع صكوك الوطنية فإن الذين قالوا لا لصدام في الثمانينيات (من سنة وشيعة)، فهم أولى الناس بتوزيعها، عندما كان الكل يطبل له!