ما شاهدناه خلال الشهر الماضي أثناء الحملات الانتخابية لم يكن، في الغالب الأعم، طرحاً سياسياً وطنياً تنموياً هادفاً، بل كان هناك ما يشبه العبث السياسي، إن لم يكن هو العبث السياسي بعينه.

Ad

من المفروض أن تكون نتائج الانتخابات البرلمانية قد أعلنت الآن بعد أن قالت الأمة، مصدر السلطات جميعا، كلمتها. الآن، حسب نص المادة (108) من الدستور، سيمثل كل نائب من النواب الخمسين الأمة بأسرها بعد أن منحت الأمة كل منهما تفويضاً سياسياً مدته أربع سنوات رغم تحفظنا المبدئي على الطرق أو الأساليب التي حصل فيها بعض النواب على هذا التفويض السياسي مثل الانتخابات الفرعية الطائفية والقبلية والفئوية والعائلية أو استخدام المال السياسي أو الـتأجيج الطائفي والفئوي والمناطقي والطرح العنصري البغيض الذي لجأ إليه بعض النواب في محاولاتهم الرخيصة للتكسب الانتخابي.

لذلك، فإن على نوابنا الكرام، ممثلي الأمة، التركيز على الأولويات الوطنية التي لا تحتمل التأجيل، والتصدي للقضايا الوطنية التي تهم المواطنين كافة بعد تقديمهم للأهم على المهم.

وفي ظننا وكما ذكرنا أكثر من مرة في هذه الزاوية، فإن قضية الإصلاح السياسي التي تتم تحت سقف الدستور ومن خلال تطبيق مواده كافة وإلغاء ما يتعارض معها من قوانين، يجب أن تكون على رأس قائمة الأولويات التي من المفترض أن يتصدى لها المجلس الجديد، لأنه من دون إصلاح سياسي حقيقي فإن الأزمة التي نعيشها منذ سنوات ستتكرر وستطول تبعاتها السلبية الجميع، ناهيك عن أنه لن يكون هناك تنمية مستدامة حقيقية أو إصلاح إداري شامل أو تحسين جذري لمستوى الخدمات العامة أو عدالة اجتماعية وتكافؤ فرص وسيادة للقانون ما لم يسبق كل ذلك، أو على الأقل يرافقه، إصلاح سياسي شامل، أي إصلاح السلطة التنفيذية... وإصلاح السلطة التشريعية... وإصلاح الحياة السياسية العامة وكيفية ممارستها.

صحيح أن الإصلاحات الجزئية التي من الممكن القيام بها هنا وهناك مطلوبة وضرورية، ولكنها ستظل قاصرة ومن الممكن التراجع عنها ما لم تأت ضمن حزمة إصلاح سياسي شامل.

كما تأتي عملية إصلاح الممارسة السياسية والنظام الانتخابي من ضمن حزمة الإصلاح السياسي المستحق الذي يحتاج إلى مبادرة سريعة من إحدى السلطتين أو من كلتيهما معاً. إن المطلوب الآن هو القيام بمراجعة شاملة لما دار خلال الحملات الانتخابية من سلبيات كثيرة، والبحث عن الأسباب التي أدت اليها وكيفية تلافيها في المستقبل.

فما شاهدناه خلال الشهر الماضي أثناء الحملات الانتخابية لم يكن، في الغالب الأعم، طرحاً سياسياً وطنياً تنموياً هادفاً، بل كان هناك ما يشبه العبث السياسي، إن لم يكن هو العبث السياسي بعينه، تحركه المصالح الشخصية الأنانية وتتحكم به، وهو الأمر الذي ساهم في خلق وتعميق الكره الاجتماعي بين المكونات الاجتماعية الأصيلة لمجتمعنا، كما عمَّق من التنافر الطائفي، وزاد من تأجيج النعرات الفئوية والعنصرية، وهدّد تماسك النسيج الاجتماعي لمجتمعنا، وعبث بوحدته الوطنية بشكل غير مسبوق، وهو ما يتنافى مع أبجديات العمل السياسي الديمقراطي السليم ويحتاج إلى إصلاح سريع حتى يكون بالإمكان ترشيد الممارسة السياسية داخل مجلس الأمة وخارجه.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء