الإصلاح السياسي كما هو التخلف لا يحدثان من تلقاء ذاتهما في المجتمعات البشرية، بل لابد أن تكون هنالك قوى اجتماعية واقتصادية لها مصلحة مباشرة في ذلك. وهذه القوى، أو بشكل أكثر دقة طليعة هذه القوى، هي التي تبادر بالمطالبة بالإصلاح السياسي، وهي التي توجه وتقود الحركة العامة للمجتمع باتجاهه.

Ad

كما أن هنالك قوانين عامة تنظم حركة المجتمع الإنساني وتتحكم فيه ومن الخطأ، بل إنه من الوهم، أن نتصور أن عملية التغيير تحدث في المجتمعات البشرية بشكل عفوي أو تلقائي. وبالطبع فإن المجتمع الكويتي ليس استثناءً من هذه القوانين والقواعد العامة التي تفسر العوامل المختلفة التي تؤثر في تطور المجتمعات الإنسانية وتبين اتجاهات حركة التغيير فيها وطبيعة القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تقود عملية التغيير، وخير شاهد على ذلك هو تاريخ الكويت المعاصر.

من هنا يمكننا القول إن هنالك قوى اجتماعية واقتصادية وسياسية مسؤولة مسؤولية مباشرة عما نحن فيه من تردٍ عام، ومن مصلحة هذه القوى أن يستمر الوضع الراهن على ما هو عليه. لهذا فهي تستخدم كل ما لديها من وسائل إعلام ومراكز نفوذ اجتماعية واقتصادية وسياسية كوَّنتها عبر السنين للمحافظة على استمرارية الوضع السيئ، الذي وصلنا إليه، لأقصى مدي ممكن.

وحيث أن الأزمة التي تواجهنا الآن قد أثّرت، كما هو واضح، على الحركة العامة للمجتمع وجرَّته إلى الخلف في شتى المجالات، فإن أولى خطوات الخروج من هذه الأزمة هو معرفة الأسباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى هذه الأزمة وطبيعة القوى الاجتماعية والاقتصادية التي ساهمت في وصولنا إلى هذا الوضع المتردي على المستويات كافة.

ومن الخطأ، بل من الخطيئة، في حق وطننا في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة أن نتيه في لجة التفاصيل الصغيرة المملة حول مظاهر الأزمة السياسية التي لا تخطئها العين أو نضيع الوقت الثمين في مناقشة الآثار والنتائج المترتبة عليها والتي أصبحت ظاهرة للعيان، أو أن نعزو الأزمة لأسباب سطحية واهية لا أساس علميا لها.

إن المطلوب، كما بيَّنا أكثر من مرة، هو مبادرات وطنية تتضمن مشروعاً تنموياً لدولة دستورية عصرية تتوافر فيها عوامل الضمان الكافية لانتشال مجتمعنا من حالة التردي العام الحالية وإحداث نقلة نوعية تضمن معالجة الأزمة السياسية وعدم تكرارها.

ومن المهم هنا أن تبنى هذه المبادرات استنادا إلى نقاشات علمية واسعة تقودها قوى التغيير الديمقراطي والتقدم والتنوير الملتزمة بالثوابت الدستورية، سواء من قبل النظام السياسي أو من القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية والكُتّاب والمثقفين الوطنيين للبحث وبشكل جدي عن الأسباب الرئيسية للأزمة العامة التى تواجه مجتمعنا والقوى السياسة التي تقف وراءها وسبل الخروج منها، مع ضرورة التمييز هنا بين الأسباب الجوهرية والأسباب الثانوية من ناحية، والآثار والنتائج المترتبة عليهما من ناحية أخرى.

فهل هنالك، يا ترى، من يبادر ويضيء شمعة؟ أم أننا سنظل نراوح مكاننا ونكتفي بلعن الظلام؟