من كان يعبد محمداً...
الفضل الأول لنجاح كل من السادات ومبارك وتثبيت أركان الحكم في ذلك الوقت العصيب (مرتين) يعود إلى الشعب المصري العظيم المستعد دائما للتنازل والتخلي عن أمنياته الشخصية وتطلعاته الذاتية في وقت المحن والأزمات، من أجل الحفاظ على مصر وقيمتها ومكانتها العالية. «اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش»، «يعني مين اللي هييجي؟!»، «تفتكر مين ينفع؟!»، « يا عم هو في غيره؟!»، إلى آخر هذه الأسئلة والعبارات المتداولة في الشارع المصري، والغريب أن الحجة الوحيدة التي يتمسك بها البعض في تأييد استمرار الرئيس أنه لا يوجد غيره يتولى القيادة أو يصلح للرئاسة، والأعجب أن يتلقف مناصرو الرئيس وحواريوه وبطانته هذه الحجة ويفخرون بها ويعمدون إلى نشرها والتباهي بها! فأن يتمسك بعضهم بشخص ما بعد 27 عاما من الحكم فقط لعدم وجود غيره فهو أمر أشبه بالفضيحة... بعد ربع قرن من الزمن لا يجد الحواريون والأنصار وحملة المباخر سببا واحدا يدعو إلى استمرار الرئيس سوى أنه لا يوجد غيره، فهل هناك عار أكبر من هذا؟! لا يتمسكون به لإنجازات رائعة حققها أو أعمال عظيمة أداها أو لقيادته الحكيمة مثلا أو الحرص على مصالح شعبه وقدرته على حل مشاكله... لا، لأنه وببساطة شديدة لا توجد مثل هذه الإنجازات التي عادة ما ترتكز عليها الدعوة لإعادة انتخاب الرؤساء ولكن لأنه لا يوجد غيره. ونسي هؤلاء جميعاً كيف جاء الرئيس نفسه إلى الحكم؟ بل كيف جاء سلفه أيضا؟ لقد سبق أن شبهنا تولي السادات للحكم بعد وفاة عبدالناصر المفاجئة وبعد وقت قصير من تعيينه السادات نائبا له، شبهنا ذلك بالميلودراما التاريخية التي يندر أن تتكرر، ولكنها للأسف تكررت وبصورة أكبر يوم تولى الرئيس مبارك مقاليد الأمور بعد اغتيال السادات المفاجئ، ورغم خبرة السادات السياسية وتاريخه القديم في النضال قبل تولي الحكم (التي تفوق كثيرا جدا تاريخ الرئيس مبارك قبل توليه أيضا)، لم يكن أحد يعتقد بقدرته على قيادة الأمة ولكنه استمر في الحكم بعد أن قضى على جميع خصومه، وتخلص منهم تماما إلى أن تم اغتياله، ولولا هذا لاستمر يحكم إلى الآن، وجاء الرئيس مبارك وفي ظل الانفلات الأمني وقتها لم يكن أحد يجرؤ على التفكير في قدرته على الاستمرار، ولكنه استمر وسيستمر إلى أن يشاء الله. إن حجة البعض في عدم وجود غيره مردود عليها وببساطة شديدة بالطريقة نفسها التي جاء هو ومن سبقه بها، فالفضل الأول لنجاح كليهما وتثبيت أركان الحكم في ذلك الوقت العصيب (مرتين) يعود إلى الشعب المصري العظيم المستعد دائما للتنازل والتخلي عن أمنياته الشخصية وتطلعاته الذاتية في وقت المحن والأزمات، من أجل الحفاظ على مصر وقيمتها ومكانتها العالية، فالأمر محسوم لدى الشعب بجميع طوائفه، ويمثل عقيدة في تراثه الفكري والثقافي أن مصلحة مصر ومكانتها أولا وقبل أي شيء آخر، لذلك ساند الشعب العظيم السادات في مايو 1971والتفت الجماهير الواعية حول مبارك في أكتوبر 1981، ولولا وقوف الجماهير خلفهما وخلف الشرعية الرئاسية بغض النظر عن أسلوب الشرعية وشخصية الرئيس حفاظا على أمن واستقرار البلد، وحرصا على مصر ومكانتها، ولولا ذلك لما قدر لهما أن يستمرا، ولكن للأسف الشديد لم يقدرا للشعب وقفته ومساندته فانقلبا عليه في سبتمبر الثمانينيات، ومع معتقلات وسجون الألفية الثالثة... ولمن يصر على ترديد العبارات في أول المقال نؤكد أن مصر هي الباقية من دون النظر إلى شخصية الرئيس، ونذكر، وعذرا للتشبيه ومع الفارق الكبير جداً، أنه عندما انتقل رسولنا الكريم إلى الرفيق الأعلى، وجزع المؤمنون وانهاروا، وغلبتهم العاطفة والحيرة والقلق، ثبت أبو بكر وأجرى الله الحكمة على لسانه، وقال قوله الخالد: «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن يعبد الله فالله حي لا يموت» صدقت يا خليفة رسول الله. من يعتقد أن مصر مرهونة لشخص أو حكر لعائلة فهو واهم مجنون أو فاسد مستغل، فمصر باقية باقية، وهم زائلون زائلون.