سيكون مختلفا أم كالعادة؟!
هل سيختلف رمضان هذا العام عما سبقه في شيء؟! وهل ستتغير بعض عاداتنا وسلوكياتنا التي لا تتفق مع الحكمة من تشريع الصيام في هذا الشهر الفضيل؟! آمل، وأتمنى، وإن كنت لا أظن، لأننا، وبحكم العادة، سنكرر في هذا العام ما سبق أن فعلناه في الأعوام السابقة، وسنستمر في عادتنا الاستهلاكية التبذيرية التي تصاحب هذا الشهر، كما اعتدنا أن نفعل دائما، فرغم غلاء الأسعار الجنوني الذي تلهب سياطه المواطنين والمقيمين، فإن ذلك لم يمنعهم من أداء عادتهم الرمضانية الشهيرة، وهي التكالب على شراء المواد الغذائية المتنوعة، والإسراف في ذلك بحاجة أو من دون حاجة، وكأننا مقبلون على شهر «مجاعة» لا على شهر «عبادة»! فالجمعيات التعاونية كلها، تقريبا، قامت بعمل مهرجانات للتسوق، وزعم كل منها أن أسعاره هي الأرخص، وعروضه هي الأفضل، وجوائزه هي الأثمن، وقد بدأ الهجوم الجماهيري الكاسح عليها منذ أسبوع، ولايزال مستمرا حتى إشعار آخر، وقد امتلأت عربات المتسوقين بالخيرات من كل صنف، تحت شعار «ألحق لا تلحق، وشيل لا تشيل»، فالشراء بالجملة، وكأن هناك إشاعة سرت بين الناس بأن الجمعيات ستغلق أبوابها حتى نهاية الشهر، أو أن هناك أخبارا من مصادر موثوقة بنفاد الكميات من المخازن، وإلا، فما سبب هذا «التطاحن» على الجمعيات التعاونية، ومراكز التموين أيضا، حيث تدور رحى معركة دامية أخرى، للحصول الهدية الرمضانية «المذمومة» من جميع «الحريصين» على أخذها! وكما في كل رمضان، يظهر لنا إخوة جدد لم نكن نعرفهم من قبل، فعند كل مدخل رئيسي، أو إشارة ضوئية، أو دوار، لافتة كبيرة تقول: «مبارك عليكم الشهر».. أخوكم «غليص ابن بليص» أخوكم «طحيس ابن محيس» أخوكم «منشار الفشار»... إلخ، وقد نسي هؤلاء «الإخوة» أن يكتبوا في لافتاتهم «لا تنسونا في الانتخابات القادمة... الله يخليكم»!إليك عزيزي القارئ، نصيحتين بمناسبة حلول شهر رمضان: الأولى، لا تراجع أي دائرة حكومية خلال هذا الشهر، وإن كان لديك معاملة غير مستعجلة، فحاول أن تؤجلها لما بعد العيد، لأنك ستعاني الأمرين إن حاولت إنهاءها في هذا الشهر الفضيل، ففي ساعات النهار من هذا الشهر، ترتفع نسبة النفس «الشينه» الى حدها الأقصى عند أغلب الموظفين الحكوميين «المدخنين» منهم على وجه الخصوص، حيث يفتقدون بعض «الوزنية» الذهنية التي يؤديها «النيكوتين» على أكمل وجه، وأتم أداء، في الأيام العادية، وعليك أن تتحمل ما يأتيك من جراء فقدانهم لها!
النصيحة الثانية، هي أن تتجنب قيادة السيارة قبل موعد الإفطار بدقائق، فبعض الصائمين يكاد احتمالهم وصبرهم أن ينفد، وكل منهم يريد أن يصل إلى مائدة الإفطار في الوقت المحدد، وقد امتلأت نفوسهم ضيقا، وغضبا، وحقدا، على الجوع والعطش، ومن المحتمل جدا، أن «يدخل» أحدهم في أقرب سيارة أمامه، من فرط الإعياء الذي أصابه، خصوصا، حين يقرر فجأة، أن ينعطف يمينا عند بائع «الرقي» على جانب الطريق، غير مدرك أن انعطافته المفاجئة قد تتسبب في مأساة يذهب ضحيتها أحد الأبرياء، ولا تريد أنت بالطبع، أن تكون هذا البريء، أو شهيد «الرقي» المأسوف على شبابه! بعد الإفطار، تهدأ النفوس، وتتراخى الأعصاب، وتنتفخ الكروش، ليأتي التلفزيون ويقدم لنا «ملاغته» المعتادة، ابتداء ببرامج الكاميرا الخفية، التي تجعلنا نطمئن على أن مخزوننا من الغباء والسذاجة، كأمة عربية، لايزال بألف خير، ويكفينا لأجيال قادمة بإذن الله، وانتهاء ببرامج الفوازير «الماسخة»، ومع ذلك، فإن في الأمر نوعا من التوازن المطلوب، فبعد أن تلقى المشاهد جرعته المعتادة من الهمّ والغمّ في فترة ما قبل الإفطار، من خلال مسلسلات «الطراقات» و«الترفس» والبكاء، فلابأس ببعض «الملاغة» بعد الإفطار، لكي يحدث بعض التوازن في نفسية الصائم، وهو على أي حال، وصل حالة من التخمة والاسترخاء، تجعله يضحك على كل شيء، وأي شيء!«الشيشة» ستكون كالعادة، نجمة فترة ما قبل السحور عند البعض، فمن الضروري تخزين كمية جيدة من النيكوتين والقطران، تسعف الصائم «المشيش» على احتمال ساعات الصيام في اليوم التالي، أما السحور، فلن يختلف كثيرا عن الإفطار، من ناحية الإفراط في الأكل والشرب، وسيكون له مردود سيئ أثناء النوم، حيث ستصاحبه بعض الكوابيس، الأمر الذي سيجعل نهاره مليئا بالتوتر والانفعال، والعصبية لأدنى سبب! شهر رمضان، أيها الأعزاء، ليس شهرا للموائد العامرة بأصناف الطعام والشراب فقط، وليس شهرا للنوم والتغيب عن العمل، و«تشيين» النفس مع عباد الله نهارا، و«التسكع» في الأسواق مساء، وليس شهرا للمسلسلات غير الهادفة، البعيدة كل البعد عن واقعنا، والمسيئة لمجتمعنا، تلك التي نجد لذة في متابعتها، كأننا نستمتع بتشويه الذات، أو كأننا فعلا هكذا، كما يدعون! رمضان هو شهر العبادة، وعمل الخيرات، والتراحم والتزاور، والخلق الحسن والمعاملة الطيبة، والإحسان والتصدق على الفقراء والمحتاجين.رمضان كريم، وكل عام وأنتم بخير.