الغياب المغاربي!
الشكر كل الشكر للمبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل، لأنه بدأ جولته الشرق أوسطية الجديدة بالمغرب العربي والتوقف في الرباط والجزائر قبل ان يستكمل هذه الجولة التي من المنتظر ان تشمل مصر وإسرائيل والضفة الغربية وعدداً من الدول الخليجية... أما بالنسبة للأردن فإن المقرر هو ان يلتقي جلالة الملك عبدالله الثاني في واشنطن بعد غدٍ الثلاثاء الرئيس باراك أوباما وينقل إليه وجهة نظر العرب في الحلول المقبولة لقضية فلسطين والقضايا العربية الأخرى وفقاً لمبادرة السلام العربية.في السنوات الماضية من هذا القرن الجديد لوحظ ان هناك فتوراً في مشاركة دول المغرب العربي في القضايا الشرق أوسطية، وفي مقدمتها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي بقي حضور هذه الدول فيها رئيسياً وأساسياً على مدى تاريخ هذه القضية منذ نهايات أربعينيات القرن الماضي حتى سنوات قليلة ماضية.
وحتى لا تفهم هذه الملاحظة على أنها قناعة وحُكْمٌ بأن المغرب العربي قد نفض يده من القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط الأخرى واعتبرها قضايا مشرقية خاصة أكثر منها قضايا عربية عامة، فإنه لابد من التأكيد على أن الهم الفلسطيني كان ولايزال همّاً مغاربياً على صعيد الدول وعلى صعيد الشعوب وأن المغرب والجزائر وتونس وليبيا والدول الأخرى قد قدمت إلى هذه القضية ما قدمته الدول المشرقية وربما أكثر. والمعروف ان المغرب، بالإضافة الى مساهمات رئيسية على مدى تاريخ هذا الصراع الطويل، لايزال يترأس لجنة القدس وأنه استضاف عدداً من القمم العربية المخصصة للقضية الفلسطينية، ومن بينها قمة الرباط في عام 1974، وأن تونس قد استضافت منظمة التحرير بكل قياداتها وأجهزتها عشرة أعوام بعد إخراجها من لبنان تحت ضغط الغزو الإسرائيلي في عام 1982، وأن ليبيا بقيت حاضرة في هذا الشأن ولم تغب عنه لا هماً ولا دعماً ولا مواقف سياسية.لكن ومع ذلك ورغم كل هذه الحقائق فإن الملاحظ ان هناك فتوراً أو انشغالاً بانشغالات أخرى، وهذا ينطبق أيضاً على دول المشرق العربي ولكن بحدودٍ أدنى، والسبب هنا هو التجاور الجغرافي مع فلسطين، وهو ان تحديات القضية الفلسطينية تعتبر بالنسبة لهذه الدول المشرقية مباشرة ويصل تأثيرها الى مجريات الحياة اليومية.كان المفترض ان تكون هناك مشاركة مغاربية في اجتماع عمان الذي انعقد يوم السبت الماضي بحضور عدد من وزراء الخارجية العرب والأمين العام للجامعة العربية، وكان المفترض ان يكون هناك إصرار من قبل السيد عمرو موسى ومن قبل الأطراف المشاركة في هذا الاجتماع على مثل هذه المشاركة، فالمغرب العربي هو جناح هذه الأمة وعربه يشكلون نحو ثلثي أبنائها.لا يجوز، على الإطلاق، ان تنفرد دول المشرق العربي وحدها بالقضية الفلسطينية، فهي بالأساس قضية عربية شاملة، وهذا ينطبق على القضايا الأخرى كالقضية العراقية وقضية أمن الخليج وعروبته وقضية الصومال والسودان وقضايا مواجهة الإرهاب والتنمية. والواضح ان المبعوث الأميركي جورج ميتشل يعرف هذه الحقيقة، ولذلك فإنه بدأ جولته الشرق الأوسطية الجديدة بدولتين مغاربيتين رئيسيتين هما الجزائر والمملكة المغربية.