التدهور والانحدار إن أصاب بلدا، فإنه يصيبه على كل صعيد ومستوى، لذلك فمن النادر أن تجد بلدا ما يتقدم في مجال الصحة والتعليم والإعلام، وينحدر في مجال الاقتصاد والرياضة والفن. منحنيات التنمية إما أن تأخذ جميعها بالتصاعد، وإن كان بأقدار متفاوتة، وإما أن تأخذ جميعها بالانحدار، وإن كان بأقدار متفاوتة أيضا. هذه قاعدة راسخة يمكن أن نعرضها على أي بلد في الشرق أو في الغرب لنجد أنها صحيحة، بل صحيحة جدا!

Ad

الكويت ليست استثناء، وكلكم تشاهدون كيف أن واقعنا، وحين بدأ يتباطأ منذ سنوات، أصابه المرض على كل صعيد وكل مجال، والاستثناءات القليلة هنا وهناك، هي استثناءات جزئية وحالات فردية لا تغير شيئا من الصورة العامة، بل تزيدها تأكيدا، والسبب في كون منحنيات التنمية تتجه جميعا إما صعودا وإما نزولا هو أن كل المجالات ترتبط ببعضها بعضا بروابط بعضها مباشر وواضح، وبعضها غير مباشر ومستتر.

تدني مستوى التعليم على سبيل المثال يرتبط في جانب كبير منه بالتدهور الإداري في وزارة التربية والتعليم، وهذا يرتبط في جانب مهم منه بضعف المراقبة والمتابعة والمحاسبة، وهذا يرتبط في جانب أساسي منه بالتعيينات العشوائية والبطالة المقنعة، وهذه ترتبط في جانب منها بانعدام الرؤية العامة وعدم استقلالية القرار في الوزارة، وهذه ترتبط في جانب منها بالضعف السياسي للحكومة ككل، وهذه ترتبط في جانب منها بالتدمير الذي يمارسه مجلس الأمة عبر كثير من نوابه، وهذا يرتبط برداءة هؤلاء النواب من جانب وبالضغوط المجتمعية الغارقة في الشخصانية والفردية التي تمارس على النواب، وهذه تنبع ولا شك من خوف الناس على أمن وظائفهم ومستقبلهم، لنجد أن الأمور قد اشتبكت ببعضها وصارت حلقات مفرغة ندور فيها بلا هوادة!

أبسط المشاكل يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى أزمات كبيرة وصعبة إن هي تركت بلا علاج. خذوا أزمة المرور عندكم مثلا. اختناق الشوارع اليومي الذي يتزايد يوما بعد يوم لأكثر من سبب... سيارات جديدة تدشن في كل لحظة، ورخص قيادة تستخرج يوميا، وأعمال ووظائف تتزايد مما يزيد من حركة السيارات، وفي نفس الوقت، لا شوارع جديدة تفتتح ولا حلول مرورية تتقدم بها الجهات المسؤولة، وهكذا وبمنطق بسيط يمكن أن نستنتج أن الأزمة ستصبح كارثة في غضون سنوات قليلة جدا حيث تصل حركة الشوارع إلى حالة شبيهة بالشلل!

الاختناقات المرورية لا تتمثل فقط في أن الناس تجلس بسأم وضجر في سياراتها وأيديها تتراقص على الأبواق مع تباطؤ حركة السير على الطرقات وعند المخارج والمنافذ، بل الأمر أخطر من ذلك، فنحن نتحدث عن ارتباط المشكلة بكل قطاع، فتأخر وصول الناس إلى مقار عملهم، يعني تباطؤ الإنتاج وتعرقل دورة العمل والمال والحياة في كل المجالات.

من ينظر إلينا في الكويت، ويرقب عن كثب كيف نفكر ونتكلم ونتحرك، يكاد يقسم بأننا إما نسير برضا إلى النهاية أو أننا في انتظار معجزة تحط من السماء. لا يوجد أي عمل حقيقي واضح المعالم باتجاه إصلاح أي شيء، اللهم إلا عشرات التصريحات التي تزين «مانشيتات» الصحف اليومية كل صباح على لسان مختلف المسؤولين والنواب!

انتظار أن تقدم الحكومة شيئا في ظل الظروف الحالية هو كمن ينتظر عليلا مثخنا بالجراح أن ينهض من مكانه ليبارز، والتعويل على البرلمان لأن يقدم الحلول صار اليوم والحال كما ترون أشبه بالتعويل على الثلج أن يقدح نارا، وهكذا فلم يبق من أمل إلا بالناس أنفسهم، ولا أعني هنا عوام الناس، إنما أعني الجماعات الواعية والمثقفة والمتخصصة كل في مجاله، وبالذات تلك القادرة والراغبة في نفس الوقت على تجاوز دائرة الإنشاء والكلام إلى دائرة العمل والإنجاز.

وحتى أكون واضحا، فالحديث ليس عن الجماعات السياسية لأن الموجود منها مشارك فيما وصلنا إليه بشكل أو بآخر، بل أتحدث عن الجماعات المهنية المتخصصة. أهل التعليم وأهل الطب وأهل الهندسة وأهل الرياضة وأهل الفن والأدب، كل هؤلاء مطالبون بالاجتماع كل في نطاقه وبتنظيم أنفسهم والتسامي فوق اختلافاتهم الفئوية والطائفية والسياسية والإسراع لنجدة وطنهم الذي يناديهم، كل المجتمعات التي تقدمت قامت على حراك الناس من خلال مثل هذه الجماعات، وإما هكذا وإلا فلا!