استطاع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في خطوته الشجاعة والمسؤولة على هامش اجتماعات دافوس، أن يصدم ما يسمى بالمجتمع الدولي، ويعري لا أخلاقيته وتغافله المستدام عن قضايا الشعوب الفقيرة، والواقعة تحت ضربات الرأسمالية المتوحشة التي بدأ يكفر بها العالم، فجاءت صرخة أردوغان المدوية وكأنها مطرقة العدالة الدولية في وجه خديعة القرن والنيف- أي، دويلة إسرائيل!

Ad

ولما كانت هذه الخطوة الشجاعة قد أتت في سياق صمود غزة الأسطوري شعباً ومقاومة، فإنه يمكن القول، من دون مبالغة، بأن تحالف خيار المقاومة الإقليمي والدولي قد استطاع عملياً كسر الصورة النمطية لما كان يسمى حتى الأمس القريب بالمجتمع الدولي!

بمعنى آخر، فقد أصبح من الآن فصاعداً، ليس فقط أمراً ممكناً بل مألوفاً، إن لم يكن مطلوباً من أحرار العالم، أن يضعوا حداً للعنجهية الإسرائيلية، وللوبي الصهيوني العالمي، وللانحياز الأميركي والغربي المطلق لإسرائيل في المحافل الدولية دون وجل أو تردد!

والفضل في ذلك بنظري يعود إلى ثلاثة أمور هي التالية:

أولا: لقد أصبحت المظلومية جنسية وهوية عالمية لا تخص بلداً أو قومية أو ديناً أو طائفة أو مذهباً بعينه دون آخر، والفضل في ذلك يعود بالتأكيد إلى صمود الناس الأسطوري في غزة، كما قبلها في لبنان وجنين، بل منذ نحو ثلاثة عقود عندما صمد الإيرانيون وانتظروا ثماني سنوات، وهم يئنون تحت الضيم والعسف الدوليين، وظلم ذوي القربى في الجيرة كما في الدين إلى أن اكتشف العالم أو رضخ لحقيقة مظلومية إيران!

ثانيا: مرة أخرى تثبت الحرب على غزة مقولة «انتصار الدم على السيف» وكيف أن الصبر والاستقامة، وعدم تقديم التنازلات مهما جار الزمن عليك، ومهما اشتد الحصار، ومهما جمعوا لك من عدة ومؤامرات، ومهما سالت الدماء من حولك، فإن صمودك واستقامتك وإصرارك على الموقف لابد أن تفضي في نهاية المطاف إلى إجبار العدو والمحتل المتجبر على الرضوخ لشروطك!

ثالثا: في هذه المعركة الجديدة كما في معارك الأمس في لبنان ثبت من جديد بأن التضامن وتناغم الأدوار والتفاهم والتنسيق الدائم والمستمر بين أطراف تحالف خيار المقاومة، وعدم الاستفزاز من قبل العدو، والإصرار على إبقاء عرى التحالف فيما بينها صلبة ومتماسكة، مهما كلف ذلك من أثمان، والدفاع عن ذلك التحالف تحت أصعب الأوقات، وتعميد الثقة بين أطرافه مهما تنوعت التحديات، يمكن في النهاية أن يفضي إلى كسر كل مؤامرات العدو، ويفضح خبثه، ويفتت تحالفاته أو ائتلافه الهش!

باختصار شديد في هذا السياق يمكننا هنا تأكيد ما ذهب إليه المثل الفلسطيني الشهير بالقول: «وعمر الدم ما صار ميه»! وكما جاء في المأثور لإسلامي: «بقية السيف أنمى عدداً وأكثر ولداً»!

المرجفون الجدد كما المرجفين في مدينة النبي «صلى الله عليه وسلم» يأخذون على «حماس» وتحالف خيار المقاومة، كما أخذوا في الأمس على «حزب الله» اللبناني ومقاومته البطلة بأنهم «مغامرون، وأنهم غير مسؤولين، وأنهم هم من قدموا ولايزالون يقدمون الذرائع للعدو لفتح معركة أو اندلاع حرب من دون محاسبة» ناهيك عن اتهامهم بأنهم يقاتلون نيابة عن المحور الإيراني-السوري!

وسؤالنا البريء إلى هؤلاء المرجفين هو: هاتوا بأي من مستشاريكم النوابغ وليحسب لنا عدد الشهداء- بالطبع هم قتلى عندكم- والجرحى وحجم الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بشعبنا الفلسطيني المقهور تحت سلطتكم خلال سنوات المفاوضات العجاف مقابل حجم الأرباح التي حققتموها لنا، وقارنوها بخسائر وأرباح 22 يوما من أيام العز السمان لدينا، ثم تعالوا لنحتكم إلى شعبنا: من هم المغامرون ومن هم العقلاء؟!

وإذا كنتم تشعرون بالحياء حقاً فلماذا تصرون في وقت «السلم» على الاستمرار في إقفال المعابر وتشاركون في استمرار الحصار، وتنشغلون في حسابات أرباحكم من تقديم الوجبات الساخنة لجيش العدو طوال حرب «المغامرة» أملا في انتزاع ما لم يستطع العدو انتزاعه في الميدان؟!

ثم نحن نتحداكم أن تقلدوا أردوغان، وهو الذي لديه العلاقات الحميمة مع العدو كما لديكم، حتى نكتشف مدى صدقية العروبة التي تزعمون دفاعاً عنها أو الإسلام الذي تدّعون الغيرة عليه! افعلوها ولو لمرة واحدة، وعندها ستكتشفون بأنفسكم مدى صدقية وحلاوة شراكة النصر التي تحدث عنها خالد مشعل مع حلفائه الصادقين معه في السراء كما في الضراء في دمشق وطهران.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني