"إنه ليس وقت الاستعجال لفرض مزيد من العقوبات على إيران، بل وقت دعم أميركا في توجهها الجديد تجاه هذا البلد ".

Ad

"إنها الفرصة التاريخية لكل من أميركا وإيران ولنا أيضا والتي قد لا تتكرر في كل جيل إلا مرة واحدة، وعلى الولايات المتحدة أن تكمل المشوار حتى نهاياته حتى تؤكد لإيران جديتها".

يأتي هذا الكلام لوزير خارجية بريطانيا ديفيد ميليباند في نفس الوقت الذي كان مجلس العموم البريطاني يستمع فيه إلى مرافعة نادرة قد لا تحصل في العمر إلا مرة واحدة للنائب اللبناني عن "حزب الله" حسين الحاج حسن، والذي حضر إلى العاصمة البريطانية بدعوة من برلمانيين بريطانيين فضلوا ربما لأول مرة فضيلة الاستماع للآخر على سياسة الاستئصال والأحكام المسبقة التي ظلت حكومات تل أبيب تفرضها على المجتمع الغربي لعقود طويلة.

في هذه الأثناء ظلت ردهات القاعة "الأفغانية" التي جمعت في لاهاي بين المسؤول الأميركي الرفيع المستوى ونائب وزير الخارجية الإيراني آخوند زادة، بعيدة عن التسريبات عدا الوعد الذي أطلقه المسؤول الإيراني بأن بلاده ستساهم بمسؤولية في إعادة بناء أفغانستان، مستدركا ذلك بالقول إن وجود القوات الأجنبية على أرضها لا يساعد في تحقيق مثل هذه المهمة.

وفي جانب آخر ليس أقل أهمية إذا لم يكن أكثر لفتا للانتباه، شهدت أكثر من عاصمة غربية وعربية بينهما بيروت ودمشق أكثر من لقاء سري وعلني بين مسؤولين غربيين كبار ومسؤولين كبار من حركة "حماس" الفلسطينية المقاومة.

إنه زمن الحوار مع الخصوم التاريخيين والاعتراف بهم إذن، وليس زمن تشديد الحصار عليهم ناهيك عن تجاهلهم.

وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك بالفعل، يبدو السؤال طبيعيا: أين النظام العربي الرسمي مما يجري؟ وربما الأهم من ذلك لماذا يبدي هذا النظام ترددا إذا لم نقل مقاومة في بعض مواقعه تجاه هذا التحول الجيوسياسي والتاريخي الخطير في الأهمية؟!

وإذا كان هذا النظام العربي الرسمي لايزال مترددا تجاه إيران، وهي السباقة في مد يد المصافحة والحوار إليه، ناهيك عن طلبها المتكرر للانضمام إلى الجامعة العربية بصفة مراقب كدليل على حسن نواياها تجاه هذا النظام رغم اختلافها الواضح معه، فأين وجه تردده تجاه إخوته في العروبة والقومية والأمن القومي حتى يتمنع من الاستماع إليهم في برلماناته أو مجالس الشورى لديه في كل من عمان أو القاهرة أو الرياض مثلا، وهي التي ينبغي أن تكون أكثر قربا من هذه المكونات النضالية من مجلس العموم البريطاني؟!

في جلسة بيروتية مميزة في بيت أحد الزعامات اللبنانية المناضلة من غير جنس "البيكوات" حضرها سياسيون من كل الأطياف الفكرية اشتد خلالها السجال حول هذا الموضوع أيضا من بين موضوعات ملحة أخرى، فاجأنا أحد كبار الحزبيين المناضلين اللبنانيين من التيار العلماني بسؤال تاريخي طريف ونادر عندما تساءل باستغراب شديد: "كيف؟ ولماذا قرر العرب اعتبار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بطلا قوميا بعد نكبة الـ67 وهو الذي خرج من الحرب منهزما، بينما اعتبروا القائد المناضل السيد حسن نصر الله مغامرا منهزما وهو الذي خرج من الحرب منتصرا وأي انتصار؟! إنها مفارقة كما هي إشكالية تستحق التأمل والتوقف عندها طويلا بالفعل، والسؤال يكبر إذا ما تابعنا المواقف المخاصمة غير المبررة تجاه إيران الصديقة والجارة، والتي كل ذنبها يكمن ربما في أنها رفعت الراية التي فرط بها النظام العربي الرسمي، وقرر رميها في أعماق البحر الميت، تاركاً أبناء جلدته من المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين مكشوفي الظهر، وهي راية عربية بامتياز بالمناسبة"... والقول لا يزال للمناضل اللبناني اليساري والليبرالي النزعة.

أنقل لكم هذه الواقعة اللبنانية المميزة, والمناضل اللاتيني الكبير هوغو تشافيز يزور في هذه الأثناء العاصمة الإيرانية طهران للمرة السادسة منذ توليه الرئاسة في بلاده ليكرس تحالفا استراتيجيا بات معلنا بين التيار اللاتيني المقاوم لسياسة الهيمنة الأميركية على العالم، وطهران الإسلامية المناصرة للعرب وللعروبة ولخيار المقاومة لتحرير الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر.

ويبقى السؤال: أين العرب مما يجري من تحولات جدية وعميقة على مستوى النظام الدولي كله، وهو الذي يشهد إعادة تموضع وإعادة هيكلة ومراجعة تاريخية كبيرة على خلفية انهيار كازينوهات القمار الدولية التي أدارها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وهو الذي خسر بطيشه من راهن على خياراته من العرب تريليونات من البترودولار العربي، ولا يزال البعض منهم لم يستفق رغم هول الواقعة؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني