الساسة في دول العالم المتحضر يتلقون تدريبا وتوجيها مكثفا بعد استلامهم لمناصب رسمية وحساسة، وذلك لأسباب عدة بعضها موضوعي وأغلبها ذاتي. من الناحية الموضوعية والأخلاقية يطمح السياسي في الدول المتحضرة إلى أن يتفهم القضايا كافة التي قد تمر عليه والمشاكل التي يتعين عليه حلها. كما يسعى إلى اتخاذ قرارات أقرب إلى الدقة والصحة والموضوعية من رجل الشارع المتواضع. لذا... فإنه يدرس ويقرأ ويدخل ورش العمل والدورات التدريبية ويضع ضمن طاقمه أفضل المستشارين في القضايا الفنية مثل الاقتصاد والاجتماع والدبلوماسية. من ناحية ذاتية يحرص السياسي على اكتساب احترام الكل من بينهم أعداؤه ومن لم يدعمه للوصول إلى أهدافه. كما يهمه أن تنتشر شعبيته بين الأكاديميين والتكنوقراط والمثقفين كما تنتشر بين عامة الشعب والبسطاء والأميين. لذا يسعى إلى أن يتحدث بلغة العلم والأرقام وأن يدعم آراءه واقتراحاته وتصريحاته بالحقائق والوقائع والنظريات العلمية والخلفيات التاريخية، وإن كانت غير شعبية. ولنا في الرئيس الحالي للولايات المتحدة خير مثال. فرغم نشأته في بيت سياسي وتعليمه في أرقى الجامعات الأميركية وتدرجه في العمل السياسي، فإنه خضع لتدريب مكثف قبل ثماني سنوات ليسد حاجات منصبه كرئيس لدولة عظمى. مازال الكثير يشعر- رغم إعادة انتخابه لدورة ثانية- بأنه غير أهل لهذا المنصب.

Ad

إذا قارنا ذلك بأداء وتوجه بعض نوابنا في مجلس الأمة اتضح لنا بكل وضوح ليس فقط حاجة هؤلاء إلى التوجيه والتثقيف في أساسيات اتخاذ القرار السياسي والتشريعي، وإنما حاجتهم إلى برامج محو أمية لافتقادهم لأساسات «فتح الخط» والاستيعاب والمنطق. ولعل بعض ذلك يتضح من التصريحات والقرارات التي أتحفونا بها مثل شراء المديونيات، والزيادات العامة للرواتب، وحجب اليوتوب ومراقبة الانترنت، وغلق البورصة، وغيرها من الأمثلة التي يتضح فيها غياب الحس الاقتصادي وأبجديات لغة القرن الحادي والعشرين.

وقد لا تكون هذه الأمية غريبة إذا استعرضنا مؤهلات بعض النواب الدراسية، فهم إما أنهم لم يكادوا ينهون الثانوية وإما تخرجوا من جامعات وهمية غير معترف بها. ولكن الغريب عدم الرغبة في التطور والتعلم أو حتى استشارة أهل الخبرة والعلم. وهنا أعود إلى الأسباب الذاتية والموضوعية التي تدفع بسياسيي الغرب لتثقيف أنفسهم. فمن ناحية موضوعية يبدو أن اتخاذ القرار السليم والتميز بالمعرفة عن رجل الشارع ليس من أوليات نوابنا. بل إن الأمانة المهنية والأخلاقية ليس لها أي دور في مواقفهم أو تصريحاتهم. أما من الناحية الذاتية فيبدو أن اكتساب احترام المثقفين والعقلانيين لا يشكل أي أهمية لبعض نوابنا الأعزاء طالما نجحوا في دغدغة مشاعر البسطاء والأميين أمثالهم.

وحيث ينقص بعض نوابنا الدافع الذاتي للتطور والتعلم، فإنني أقترح أن يعد لهم برنامج محو أمية إجباري وأن يخصص جزء من طاقم السكرتاريا العريض للخبراء لا سيما في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة الخارجية. عندها- وفقط عندها- يحتمل أن نفهم ما يدور في عقولهم، وقد يتمكنوا أن يحدثونا بلغة هذا العصر.