يقول علماء الفقه «لا يمكن تفسير المفسَّر ولا توضيح الواضح» ورغم ذلك أجدني مضطراً للتذكير ببعض البديهيات التي حاول البعض متعمداً إثارة اللغط حولها، ووقع آخرون بحسن نية في سوء فهمها:

Ad

1- قدمت مصر الكثير والكثير جداً مادياً ومعنوياً من أجل قضايا العرب عموماً وقضية فلسطين على وجه الخصوص، من دعم وتأييد ومساندة ودماء وشهداء.

2- يُنتظر من مصر دائماً باعتبارها أكبر دولة عربية وزعيمة للأمة العربية (وليغضب من بغضب) أن يكون قرارها على قدر مكانتها وريادتها، فمن غير المعقول ولا المقبول أن تكون مصر مثل... أو تنتظر قرارا من دولة ما بقطع علاقتها مع إسرائيل لتتبعها، ومن يطالب بذلك إنما ينتقص من قيمة مصر ولا يدافع عنها كما يحاول المرجفون الادعاء بذلك:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم

3- الإرهاب الفكري الذي يمارسه البعض ويدعي أن رفض الموقف الرسمي المصري أو التنديد بقرار للرئيس هو هجوم على مصر مرفوض تماما، فمقولة «أنا مصر ومصر أنا» انتهى زمانها ولا قيمة لها، والادعاء بأن من يرفض القرار المصري عميل لدولة أخرى، ويحقق أجندة خارجية هو هراء، وحديث لا يستحق عناء الرد.

بعد ذكر هذه البديهيات نحاول التعرف على الموقف المصري أثناء حرب غزة من خلال 4 نقاط أساسية:

أولا- معبر رفح: منذ اليوم الأول للحرب أعلنت مصر أن معبر رفح خاضع لاتفاقية دولية، ولا يمكن فتحه دون موافقة الجانب الإسرائيلي ووجود مراقبين أوروبيين، وتحت الضغط الشعبي وعنف القصف الإسرائيلي وتزايد أعداد الجرحى والشهداء وافقت مصر على فتح المعبر لدخول الجرحى الفلسطينيين من غزة إلى مصر. ومع استمرار الضغط الشعبي وافق النظام على دخول المساعدات الإنسانية دون الأفراد إلى القطاع. ومع القصف البربري الهمجي الإسرائيلي أصبح الضغط على مصر دوليا وإنسانيا فسمح النظام بدخول لجان الإغاثة الطبية مع قوافل المساعدات الإنسانية. هذا حقيقة ما حدث ولكن فوجئنا بعد نهاية الحرب بالنظام المصري يقول إن المعبر كان مفتوحا من أول يوم!! هل يحتاج هذا الموقف إلى مناقشة سياسية جادة؟ أم إلى دكتور أمراض عصبية (تخصص «زهايمر»)؟

ثانيا- التضامن العربي: بعد يومين من الحرب دعا السودان واليمن إلى عقد قمة عربية طارئة لمناقشة الأوضاع، وأعلنت مصر رفضها والاكتفاء بالاجتماع الوزاري العربي في القاهرة. ونظراً لفشل الاجتماع في اتخاذ موقف قوي والاكتفاء ببيان إنشائي، أعلنت مصر أن الموقف سيُناقش على هامش القمة الاقتصادية في الكويت، وجددت قطر الدعوة لقمة طارئة، وتأرجح عدد الدول المؤيد لعقد هذه القمة، فتحولت إلى اجتماع تشاوري نتج عنه تجميد علاقة قطر الاقتصادية مع إسرائيل، وقطع موريتانيا علاقتها السياسية معها.

وعقدت القمة الاقتصادية وانتهت (بالنسبة لغزة) بنفس الفشل الذي انتهى إليه الاجتماع الوزاري (بيان إنشائي)... وبعد انتهاء الحرب فوجئ الجميع بالسيد وزير الخارجية المصري يصرح في فرح وفخر بأن مصر نجحت في إفشال قمة الدوحة!! ويتساءل: أين التضامن العربي؟! فهل يحتاج هذا الموقف أيضا إلى مناقشة سياسية حقيقية؟ أم إلى طبيب أمراض نفسية (شيزوفرانيا)؟

ثالثا- الموقف من «حماس»: بعد نجاح «حماس» في الانتخابات وتشكيلها الحكومة بدأت الرئاسة الفلسطينية بعرقلة تنفيذ قراراتها وتوصياتها، والتزم النظام المصري بتأييد الشرعية الرئاسية «محمود عباس» أمام الشرعية النيابية والشعبية «حماس» وبعد انقلاب 2007 كما يسمونه وتولي «حماس» السلطة كاملة في غزة بدا الرفض المصري لها أكثر صراحة مع تحميلها كل الآثام والشرور والويلات التي يعانيها الفلسطينيون، والحقيقة أن الرفض المصري لـ«حماس» يرجع أساسا إلى جذورها الدينية وخوف النظام من تأثيرها مع «الجماعة المحظورة» (اسم جميل) على استقرار النظام واستمرار فساده، فهل هذا الموقف يحتاج إلى تحليل ومناقشة؟ أم إلى شيوخ وفتاوى؟!

رابعا- الوساطة بين «حماس» وإسرائيل: ونبدأ بسؤال: ألا يجب أن تكون الوساطة الحيادية بين طرفين وقوتين متساويتين في الحقوق والقدرات؟ أم أن هذا الحياد المزعوم يكون بين طرف يملك كل شيء وطرف يملك حقا لا يستطيع فرضه؟ وهل يقبل مصري واحد بهذه الحيادية؟ ألا يجب أن يكون لمصر موقف قوي وواضح مساند للحقوق المسلوبة؟

كما ذكرت في البداية لا يمكن تفسير المفسَّر ولا داعي للمزيد من الشرح والتوضيح، فالموقف المصري أثناء حرب غزة كان مخيبا لآمال المصريين قبل غيرهم.

منذ سنوات انتشرت في مصر مقولة تصف حال إحدى الصحف الكبرى فكان يقال: إنها بدأت «بصراحة» وانتهت «بهدوء» وأخشى أن يأتي اليوم الذي نقول فيه إن زعامة مصر وريادتها العربية بدأت «بجمال» وانتهت «بحُسنٍ».