خذ وخل: الغانم والحفيتي وبرنامج السخرية

نشر في 11-05-2008
آخر تحديث 11-05-2008 | 00:00
 سليمان الفهد

إن الخطاب الشعبي العفوي الذي يتواصل به «بوراشد» مع مريديه الناخبين، ويحقق له هذه الجماهيرية الطاغية، يشي بأن خطاب الأعضاء التقليدي بحاجة إلى «نيولوك» انفعالي تواصلي ينأى به عن العنتريات المدغدغة لمشاعر الجمهور، وكل ما يشين هذا الخطاب ويصمه بنعوت وصفات لا تمت إلى الاتصال والتواصل بصلة.

* لو كانت عملية الاقتراع هنا تشبه قرينتها الأولى التي كانت تتم وفق آلية بدائية بسيطة تعتمد على الصفير والتصفيق الصادر عن الناخبين المجتمعين بساحة واحدة، عند ذكر اسم المرشح، والناجح هو الذي يحظى بأكثر مدة زمنية من التصفيق والتصفير الدالين على التأييد القاطع، لو كان الأمر كذلك، لفاز صديقانا «عيسى عبدالله الغانم، ومحمد راشد الحفيتي»، بجدارة يغبطان عليها! فهما يحظيان بإعجاب جماهيري غفير يكاد يمثل كل الكويت!

بوعبدالله (عيسى الغانم) ظريف وإنسان طيب وعفوي وشعبي... لكن خفة دمه تتجلى «بس» خارج المسرح: في الخيمة، والديوانية والمقهى! فحالما يعتلي الخشبة تغادره روح السخرية؛ فيتجهم محياه، ويتحول إلى ممثل «تراجيدي»! ربما لأنه اعتاد الارتجال! من هنا كنت أقول له: قد تفلح في تحقيق النجاح المأمول في مجلس الأمة فيما أخفقت في تحقيقه في مسرح الدراما! لكن الناخبين يبدو أنهم يريدون له الدور الذي يقوم به أثناء المعركة الانتخابية. أي دور الإنسان الساخر الضاحك المضحك دون غيره! وأذكر أن «الغانم» اقترع له ثلة من النخبة الأعلام، وخشي منه قطب سياسي ظاناً أنه موجود للشوشرة عليه. قلت له: لو أن الحكومة فكرت في اختيار أمثاله فستحظى بشعبية لم تحلم بها قط! كان القطب البرلماني متوجساً منه، غاضباً مني، كوني أيدته وتحمّست له لظني أن وجوده في المجلس قد يكون بمنزلة صمام أمان يمنع الصدام، ويدرأ التلاسن، ويزيل الاحتقان بنكاته وتعليقاته الساخرة، التي أحسب أن الرئيس سيسمح بها؛ لأنها تردف مهماته في الضبط والانضباط، واحتواء الخناقات والمعارك والتلاسن؛ وما إلى ذلك من ممارسات تستوجب الاحتواء بعدة «النكتة لوجيا» حين تخفق تكنولوجيا «المطرقة» الرئاسية في تحقيقه! ولعل حاجة المجلس إلى صمام الأمان المذكور آنفا باتت ضرورة لاسيما أن العلاقة بين السلطتين مشدودة ومتوترة تتلظى على سطح صفيح لاهب!

* المرشح الآخر الذي سار على درب «عيسى الغانم» هو «محمد راشد الحفيتي» الشهير بالبديل. وكانت السخرية اللاذعة هي عدته وعتاده، وبرنامجه هو الآخر مثل سلفه «بوعبدالله: عيسى الغانم» سوى أن الأول يتسم بحضور أوفر، وثقافة أوسع لأنه جامعي وطبيب بيطري! ففي يوم وليلة صار البديل قبلة الناخبين، ومحجهم. يأتونه من أغلب مناطق الكويت! وصار من المألوف أن يتعشى الناخبون لدى المرشحين الكاملي الدسم، ومن ثم يتقاطرون على خيمة صاحبنا المتواضعة التي لا تقدم سوى الماء القراح الفاتر الصالح للوضوء لا للشرب! ذلك أنه لا يؤمن بأن الطريق إلى جذب الناخب يتم عبر معدته... بل من خلال عقله ووجدانه! حتى النساء صرن يذهبن إليه ويتابعنه عبر موجة الـ F.M وضاق المكان بما ومن رحب، «فاهتبل» صاحبنا جماهيريته الطاغية، وصار يسجل لقاءاته الليلية تلفزيونيا، ويبيعها لمن يرغب! كي لا يخرج من «المولد» الديمقراطي بلا حمّص! أو يعود إلى إسطبل الخيول بخفي «جوكي» خاسر!

الشاهد أنه أصبح ظاهرة فلكلورية انتخابية موسمية ساكنة في الذاكرة الجمعية للناخبين، ينتظرونها بلهفة وشغف؛ ربما لأنهم يجدون فيها متنفساً يخفف من الحالة المزاجية العكرة؛ التي تستخوذ على الناخبين، من جراء تجوالهم على مقار المرشحين، واستماعهم إلى محاضرات ومناظرات وندوات تفضي إلى الإحباط وغيرها من المشاعر اليائسة! ولذا يلوذون بمقره طلبا للترويح والتنفيس، والتنكيت والتبكيت اللذين لا يوفران شيئاً ولا أحداً! ويبدو لي أن صاحبنا لا يحفل بدور المرشح كما يفعل غيره من ممارسات تتوسل إقناع الناخبين بما يقولونه ويعلنونه، وأجد أن أحد أسباب جماهيرية «الحفيتي» يكمن في أن خطاب جل المرشحين يتسم بالتجهم والتشنج والتقعر والتفيقه، بحيث يبدو الواحد منهم متعالياً على عباد الله الناخبين! الأمر الذي يوحي بخطابه الحماسي الرنان إلى مجرد صرخة في واد من الطرشان!

بعبارة أخرى أقولها إن الخطاب الشعبي العفوي الذي يتواصل به «بوراشد» مع مريديه الناخبين، ويحقق له هذه الجماهيرية الطاغية، يشي بأن خطابهم التقليدي بحاجة إلى «نيولوك» انفعالي تواصلي ينأى به عن العنتريات المدغدغة لمشاعر الجمهور، وكل ما يشين هذا الخطاب ويصمه بنعوت وصفات لا تمت إلى الاتصال والتواصل بصلة.

بطبيعة الحال لست بمعرض مطالبة كل مرشح بتقليد أخينا الساخر، والتأسي به، وغاية ما هنالك هو أن يعيد كل مرشح النظر بالصيغة «التراجيدية» التي يلعلع بها مستخدماً كل حيوته الصوتية، وعافيته الحماسية، من دون أن يخشى تمزق حباله الصوتية، وانقطاع صلته بمستمعيه! وأياً كان الأمر فسوف يظل صاحبنا الظريف شاهداً عيانياً موسمياً على الانتخابات البرلمانية، فضلا عن ممارسات الحكومة والمجلس التي تستأثر بشهادته طوال مدة الزفة الاحتفالية المنعونة بالعرس الديمقراطي!

back to top