أصدرت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاعتقال التعسفي أخيرا، رأيها في قضية اعتقال ناشط حقوقي سوري، واعتبرت المجموعة اعتقال نزار رستناوي اعتقالا تعسفيا لا يمكن تبريره قانونيا، منتقدة في الوقت نفسه إجراءات محاكمته أمام القضاء الاستثنائي غير الملتزم بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، ومطالبة الحكومة السورية «اتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح الوضع».
الرأي المذكور الذي كان موضع ترحيب منظمة العفو الدولية، صدر بعد أربع سنوات من اعتقال الناشط، وهي المدة التي حكم بها من قبل محكمة أمن الدولة الاستثنائية، حيث من المفترض أن يتم الإفراج عنه خلال الشهر الحالي لانتهاء مدة حكمه. صدور مثل هذا الرأي عن إحدى الهيئات المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يعتبر بالتأكيد مكسبا معنويا لقضايا حقوق الإنسان في سورية وسواها من الدول التي ترتكب فيها انتهاكات مماثلة. لكن كيف يمكن لصاحب العلاقة التعامل مع هذا «الكسب المعنوي» بعد سنوات أربع مما اكتشفت المجموعة أنه اعتقال تعسفي؛ خصوصا أنه مع عجز تلك الهيئات عن تحسين أوضاع حقوق الإنسان في دول انتهاكها على مستوى شامل، فيغدو المأمول على الأقل المساعدة في قضايا فردية، هي المستهدفة أصلا في نظام الشكاوى والبلاغات الذي تتضمنه تلك الآليات الدولية. تشترك منظومة حماية حقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والوطني، بكونها جعلت من الانتهاكات التي تطول مواطني الدول على يد حكوماتها، موضعا للشجب والإدانة والرفض علنا وعلى أكثر من مستوى. تشترك أيضا، في كونها جميعا، عجزت عن الانتقال من عولمة حقوق الإنسان، بمعنى جعلها محط اهتمام عالمي، وتعزيز مكانتها أدبيا وخطابيا، نحو تأمين حماية فعلية لضحايا الانتهاكات.إلى حد بعيد، تبدو فعالية الأجهزة الدولية لحقوق الإنسان، بمستوى فعالية المنظمات المحلية. يقيد الأولى اعتبارات التسييس وغياب طابع الإلزام عن إجراءاتها فضلا عما يعتري عملها من روتين وبيروقراطية وبطء في الإجراءات، ويقيد الثانية كونها بحد ذاتها غالبا ما تكون ضحية للقمع والتضييق فضلا عن ضعف الأدوات التي يمكن أن تلجأ إليها من مثل ضعف أو انعدام استقلال القضاء في الدولة المعنية. هذا وضع غير طبيعي. من غير الطبيعي أن تكون المنظومة الدولية بمستوى ضعف وعجز تلك الوطنية، مع اختلاف النشأة والخبرة والصلاحيات والوزن الأدبي أيضا. الدول التي لم تقبل باختصاص اللجان المعنية في المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، للتحقيق في الانتهاكات المزعومة المرتكبة من قبلها ضد مواطنيها، تبقى بمعزل عن أي إلزام عملي، برفع الانتهاك الذي يثبت وقوعه. ومع جميع التعديلات التي طرأت على هيكلية وآليات عمل المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، خصوصا في ما يتعلق بانتهاك الحقوق الفردية، فإنها تبقى مكبلة بكثير من القيود، عاجزة عن تحقيق أثر ملموس في الخفض من عدد الانتهاكات حول العالم وإنصاف ضحاياها. من دون عامل الإلزام والطابع القضائي المدعم بالعقوبات، لا يبدو أنه من الممكن الوصول إلى نتيجة على هذا الصعيد، وربما وبكثير من الخيال، يطمح المرء إلى نموذج المحكمة الجنائية الدولية، للنظر في مثل تلك الانتهاكات. محكمة لا تحتاج أن تكون الدولة المعنية عضوا في اتفاقية إنشائها، كي يتسنى للضحايا أو عائلاتهم تقديم شكاواهم. محكمة تصدر أحكاما بمعاقبة مرتكبي الانتهاكات «الصغيرة» التي لا تحصل اليوم على أكثر من إدانة أو بيان استنكار، فيما تطول الآلاف حول العالم، من الاعتقال التعسفي إلى الاختفاء القسري إلى التعذيب وسواها. لو أن الحقوق الأساسية تحترم، لما وصل الأمر في بعض الحالات إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم ممنهجة ضد حقوق الإنسان، ولو جرى التحقيق في أول حالة اختفاء قسري، لما وصل الأمر إلى عشرات الآلاف من حالات الاختفاء. ومن المنطقي أن مبررات تجاوز اعتبارات السيادة التي تعتمد في قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تنطبق على ما سواها من الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، فالسيادة بمعنى السلطة المطلقة المفوضة لفرد أو مجموعة لم تعد مقبولة في عصرنا الحالي، والسيادة لا تفوض السلطة الحاكمة إهدار الحريات وانتهاك الحقوق على مرأى من العالم كله. السيادة والحرية لا يجب أن تتعارضا، وهما لا تتعارضان وفقا لروسو، إلا بقدر ما يكون المجتمع المدني بأكمله، بعيدا عن المشاركة في السلطة السياسية، ما يعني عدم شرعية تلك السلطة أصلا، وهو ما يترجم أيضا بخرق داخلي للسيادة. بعيدا عن مثل تلك الطروحات الحالمة، على المدى المنظور على الأقل، فإن ضعف الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان يجب أن يضع تلك الآليات في موضع البحث والتمحيص من جديد، وبزخم أكبر مما كان عليه في أي وقت مضى.* كاتبة سورية كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
العجز المزمن للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان
10-04-2009