أثارتني مقولة للكاتب الشاب عبد الله غازي المضف في روايته المميزة «المنتظر» على لسان إحدى شخصياته حين قالت: التغيير الكبير في حياة أي أمة، لا يتحقق إلا على أنقاض كارثة كبرى. هذه المقولة الصادمة إلى حد بعيد، أتعبت عقلي وأنا أحاول أن أتخيل شكل «الكارثة الكبرى» التي نحن بحاجة إليها ليحصل ذلك التغيير الكبير في حياتنا ككويتيين!

Ad

قبل كتابة هذا المقال، وأنا أتصفح الجرائد، وجدت أكثر من كاتب ممن أحترمه يتحدث بنبرة رعب أو قلق مما يجري من مظاهر انفلات شعبي في مقابل محاولات للسلطة لفرد عضلاتها لاستعادة الهيبة. يرى د. ناجي الزيد في الزميلة «القبس» على سبيل المثال أن ما يجري هو بوادر حرب أهلية حيث اشتبكت الأمور وما عادت مفهومة وضاع الدستور مع ضياع هيبة الدولة، في حين يرى د. غانم النجار هنا في «الجريدة» أن السلطة اليوم تتخبط في تطبيق القوانين فتختار ما تريده منها، وتغض الطرف عن أخرى، وأنها بتعسفها في التطبيق ستخرج من دائرة استعادة الهيبة إلى الدخول في دائرة الخيبة كما حصل في الفترة ما بين صيف 1986 انتهاء بكارثة الغزو العراقي للكويت!

ما نحن فيه اليوم من تدهور عميق، وكما كررت لعشرات المرات وأعيد، ليس نتاجاً لمجلس أو مجلسي أمة تأزيميين كما يتصور البعض، وليس نتاجاً لضعف حكومات ناصر المحمد المتتالية كما يشيع بعضهم الآخر، إنما هو حصيلة موضوعية متوقعة للتدهور العام الذي سيطر على الدولة منذ 1986 وحتى الساعة، والعلامات كانت واضحة جلية، وتراكمها المتواصل كان بيِّناً لمَن كان ينظر بعين البحث عن الحقيقة غير المتأثرة بغشاوة المصالح.

دستور 1962 اتضحت ثغراته وعجزه عن مواكبة تعقيدات المجتمع وملابسات الواقع المتزاحمة منذ ذلك الحين، ولكن الجميع دفنوا رؤوسهم في الرمال، ولايزال كثير منا يفعل ذلك حتى الساعة، ويكرر مقولة إن المشكلة في النفوس وليست في النصوص، ولا أدري كيف يريدون للنفوس المحكومة بالعرقيات والطائفيات والمصالح الفئوية والشخصية أن تنصلح؟!

بالله عليكم، دستور يشترط في عضو مجلس الأمة ممَن ستوكل إليه مهمة الوقوف عند مشاريع ضخمة وشائكة كمشروع الاستقرار الاقتصادي أو المشاريع النفطية المليارية للدولة أن يجيد القراءة والكتابة فقط، وهذا مثال بسيط، ألا يستحق إعادة النظر بل التنقيح؟!

بالأمس فاجأني أحد الأصدقاء المثقفين العاقلين بسؤال: هل ترى كما أرى، أن السلطة متوجهة وبشكل مقصود لقمع أبناء القبائل؟ وكان يتحدث عن اعتقال خالد الطاحوس وبعده د. ضيف الله بورمية بالطريقة البوليسية الصاخبة التي شاهدناها. أجبته بأن المشاهد يمكن أن يتصور ذلك، وإن حاول أن يدعم تصوره بتحليل المشهد السياسي فسيتمكن وسيجد ما يقيم عليه رأيه، كأن يقول إن أغلب عناصر التأزيم البرلمانية هي من أبناء القبائل، والقبائل وبعدما كانت عنصر الموالاة الرئيسي للنظام قد صارت اليوم، بعدما تمرد أبناء الجيل الجديد منها، شوكة في خاصرة النظام، فصار لزاما قمعها وتحجيمها!

إن بيئة التخبط والفوضى والانفلات السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي نرتع فيها هي البيئة الخصبة المثالية لظهور وتفاقم مثل هذه الطروحات، ولا أشك بأنها ومثلها ستتكاثر حتى مراحل لا تحمد عقباها.

يا سادتي إننا مستمرون سيراً في الطريق الخاطئ، والظن بأن الأمور ستتحسن هكذا هو ظن غبي وأمنية حمقاء، ولا أريد حتى أن أتخيل شكل الكارثة الكبرى التي نحن بحاجة إليها ليبدأ حصول ذلك التغيير الكبير الذي تحدثت عنه رواية «المنتظر»!