مجلس الأمة بين الشكل والمضمون

نشر في 21-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 21-01-2009 | 00:00
 د. بدر الديحاني يتعرض مجلس الأمة كمؤسسة دستورية في الآونة الأخيرة إلى هجمة إعلامية جديدة تحمله المشاكل كافة التي يعانيها البلد مستغلة في ذلك بعض الممارسات غير الناضجة سياسيا والخاطئة تكتيكيا لبعض أعضاء المجلس التي عادة ما يجري تضخيمها واستخدامها بشكل غير منطقي ومتهافت لتبرير عملية الطعن في الدستور ومعاداة النظام الديمقراطي، رغم أن هذه التصرفات لا تعدو كونها ممارسات فردية غير سليمة لا يكاد يخلو منها أي برلمان في العالم الديمقراطي.

لكن في الأنظمة الديمقراطية المستقرة يقومون بتصحيح هذه الممارسات الخاطئة من خلال تجديد وتطوير الأنظمة الانتخابية والسياسية التي توفر البيئة المناسبة لوصول أعضاء مؤهلين لممارسة العمل البرلماني، كما أن البرلمان نفسه يقوم بتفعيل اللائحة الداخلية وتطويرها باستمرار للحد من هذه الممارسات الخاطئة وتلافي وقوعها.

أما لدينا، فإنه بالإضافة إلى عدم تجديد النظام السياسي وتطويره، فإنه يتم وبصوره متعمدة تضخيم الممارسات الخاطئة لبعض الأعضاء الذين أنتجهم نظامنا الانتخابي وأفرزهم واقعنا السياسي غير المتطور، واستخدام لغة التهديد بحل مجلس الأمة كلما مارس الأعضاء دورهم الرقابي أو التشريعي حتى وصل الأمر أخيراً إلى التهديد بتعليق الدستور والانقلاب على النظام الديمقراطي فيما لو أعلن أحد الأعضاء نيته ممارسة صلاحياته التي كفلها الدستور، كتقديم الاستجواب مثلاً. وهو ما لاحظناه بشكل جلي في تلميحات المسؤولين الحكوميين وفي أغلب تصريحات رئيس وأعضاء مجلس الأمة، خصوصاً أثناء وبعد الأزمة السياسية الأخيرة.

فأي نظام ديمقراطي مستقر بالإمكان تطويره إذا كان وجود هذا النظام ذاته مهدداً بالإلغاء بشكل مستمر على طريقة المثل الشعبي «جاك الذيب جاك وليده»؟

دعونا نتساءل هنا ترى ما هو المطلوب بالضبط من مجلس الأمة؟ هل مطلوب منه القيام بواجبه الدستوري في الرقابة والتشريع أم مطلوب منه أن يتحول، بدلا من ذلك، إلى مجلس استشاري ينفذ كل ما تريده الحكومة؟

لقد سبق وأشرنا أكثر من مرة في هذه الزاوية أن مجلساً بغير أدوات دستورية تمكنه من تفعيل دوره الرقابي والتشريعي، هو مجلس صوري وجوده والعدم سواء... ونضيف الآن أن وجود مثل هذا المجلس الشكلي عبء إضافي على الميزانية العامة للدولة التي نحن في أمس الحاجة، خصوصا هذه الأيام، إلى ضغط بنودها والتقليل من مصروفاتها.

إن الحكومة هي المسؤولة دستوريا عن رسم وتنفيذ السياسات العامة، وهي المهيمنة على المصالح العليا للدولة، فلماذا لا تقوم بتنفيذ مشاريعها التنموية؟ هل منع مجلس الأمة الحكومة من إنشاء المستشفيات الجديدة المتطورة أو وقف حائلا أمام إنشاء وتشييد طرق سريعة جديدة تخفف من الازدحام المروري؟ أم أن المجلس هو المسؤول عن عدم تطوير المناهج الدراسية أو عن عدم تحديث المباني المدرسية؟ أم تراه مسؤولا عن إهمال معالجة النفايات السامة ووقف الدمار البيئي؟ هل المجلس هو المسؤول عن إعادة هيكلة الجهاز الإداري الضخم الذي يعاني مشاكل بيروقراطية جمة ويستنزف ميزانية الدولة؟ أم أن المجلس مسؤول عن الخلل في التركيبة السكانية حيث أصبح المواطنون أقلية في بلدهم؟ كلا بالطبع فهذه الأعمال التنفيذية جميعها هي من صلب عمل الحكومة.

وحتي لو تطلب الأمر موافقة مجلس الأمة لكي تقوم الحكومة بتنفيذ مشاريعها الجديدة، فإن ذلك ممكنا لأن الحكومة لديها أغلبية برلمانية مؤيدة داخل مجلس الأمة الحالي تستطيع من خلالها تمرير مشاريعها التنموية حتى لو عارضت ذلك الأقلية البرلمانية؟

إذن... فإن الادعاء بأن مجلس الأمة يقف عائقا أمام تنفيذ الحكومة لخططها هو ادعاء باطل الغرض منه الوصول إلى تهميش مجلس الأمة وتحويله إلى مجلس شكلي فارغ المضمون.

back to top