Ad

ليس أمام هذه الحكومة اللبنانية إلا أحد خيارين، هما: إما أن ترضى بوصاية «الثلث المعطِّل» وتجمد نفسها من الآن حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتلتزم بيت طاعة «حزب الله»، وإما أن تنتفض لكرامتها وكرامة الشعب اللبناني، وعندها فإنه من غير المستبعد أن حرب بعل محسن ضد التبانة في طرابلس سيجري تعميمها على لبنان كله.

إذا كان الاتفاق على بيان حكومة فؤاد السنيورة، التي احتاج الاتفاق عليها حتى بعد معجزة مؤتمر «الدوحة» إلى أسابيع منهكة طويلة، قد ارتطم بعقبة التفاهم على موضوع «المقاومة» التي يواصل أصحابها الإصرار على أن وجودها هو الذي يبرر وجود دولة لبنانية، فكيف بالإمكان أن تقوم هذه الحكومة بمهامها الدستورية، وكيف بالإمكان أن تحقق ولو خطوة واحدة وهي مكبلة بـ«الثلث المعطِّل» وبـ«الفيتو» المرفوع فوق رأسها حتى قبل أن تذهب ببيانها الوزاري إلى البرلمان، لتنال الثقة على أساسه؟!

إنها معضلة كبيرة أن يظل لبنان، حتى بعد «الدوحة»، مكبلاً بالقيود السابقة نفسها. فهناك طرف هو «حزب الله» يصر على أن يبقى دولة داخل الدولة، وهو مسلحٌ بـ«الانتصارات الإلهية» المتلاحقة في حرب يوليو عام 2006، وفي غزو السابع من مايو الماضي على بيروت الغربية، وفي إطلاق سراح الخمسة أسرى الذين تم إطلاق سراحهم، ومعهم جثامين العشرات من الشهداء، ويصر على أن يكون فوق الدولة اللبنانية، وفوق المكونات الاجتماعية والسياسية كلها لهذه الدولة.

قد يمكن الاتفاق -إثر ولادة عسيرة- على لفلفة بيان وزاري على هيئة لوحة «سيريالية»، يكون بإمكان الناظر إليها أن يجد فيها ما يسره ويريح باله، بحيث يتضمن شيئاً من مؤتمر الطائف، وشيئاً من تفاهمات الدوحة، وشيئاً من خطاب قسم رئاسة الجمهورية، وشيئاً مما يصر عليه طرفا المعادلة الحكومية، الموالاة والمعارضة. وقد تحصل حكومة السنيورة -على أساس بيانٍ حمَّال أوجه كهذا البيان- على ثقة «حولاء» من البرلمان، لكن بيت القصيد يبقى أن عقدة سلاح «المقاومة» بحاجة إلى حل، وأن حلاً توافقياً لا يمكن توفيره لا الآن... ولا في المدى المنظور.

كان الاعتقاد أن «حزب الله» بعد غزوة بيروت والجبل، وبالتالي بعد اتفاق «الدوحة»، سيتواضع قليلاً، وسيقبل بما يمكن أن يعتبر مساومة «تكتيكية»، وليست تاريخية، مع جماعة «الرابع عشر من آذار»، لكن ثبت أن هذا الاعتقاد كان خاطئاً، وأن هذا الحزب، انطلاقاً من أنه يعتبر نفسه المنتصر، ويعتبر أن «الآخرين» مهزومون، لم يكتف بما كان يطالب به سابقاً، بل تعدى ذلك إلى أن يكون الوصيّ الإلهي الأمين على الشعب اللبناني والدولة اللبنانية وعلى كل شيء.

ليس أمام هذه الحكومة، حتى إن وقعت المعجزة وجرت لملمة البيان الوزاري بطريقة من الطرق، وعلى أساس «الغموض» الذي يفسره كل طرف وفقاً لما يتلاءم مع وجهة نظره، إلا أحد خيارين هما: إما أن ترضى بوصاية «الثلث المعطِّل» وبتنظيرات الجنرال ميشيل عون وتجمد نفسها من الآن حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتلتزم بيت طاعة «حزب الله»، وإما أن تنتفض لكرامتها وكرامة الشعب اللبناني الذي يؤيدها ويقف وراءها، وعندها فإنه من غير المستبعد أن حرب بعل محسن ضد التبانة في طرابلس سيجري تعميمها على لبنان كله.

فسياسة «الترقيع»، إن كان بالإمكان أن تصلح لفترة انتقالية قصيرة، فإنها بالتأكيد لا يمكن أن تصلح للفترات كلها، خصوصاً أن الاستحقاقات الصعبة السابقة لاتزال تقرع أبواب لبنان، وأن هناك عقدة المقاومة وسلاحها ودورها، وعقدة مزارع شبعا، وعقدة السفارات وتبادل العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وعقدة ترسيم الحدود السورية- اللبنانية، وعقدة قراري مجلس الأمن الدولي رقم 1559 و1710، وعقدة الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستكون معركة «كسر عظم» حقيقية، والتي يبدو أن تحالف «حزب الله- الجنرال ميشال عون» متأكداً من أن نتائجها ستكون «حتماً» لمصلحته، وأنه سيتوقف عليها حتى مصير رئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان.

لا يمكن أن يهدأ لبنان ويستريح مادام أن هناك سلاحاً خارج سلاح الشرعية، ومادام أن هناك من يصر على أن مقاومته مستمرة إلى حين عودة المهدي المنتظر، ليحرر فلسطين وليملأ الأرض عدلاً بعد ان امتلأت جوراً. ولا يمكن أن يتنفس لبنان الصعداء مادام أن طرفاً رئيسياً في معادلته الداخلية يصر على أن هذا البلد يجب أن يبقى ساحة تصفيات إقليمية ودولية، ومادام أن حسن نصرالله يقول وبالفم الملآن إنه يفتخر بأن يكون عضوا في حزب الولي الفقيه، وأن تكون معركته اللبنانية الداخلية جزءاً من معركة إيران النووية!

* كاتب وسياسي أردني