الدول العربية وجدت في معتقل غوانتانامو وبشاعة ما يمارس فيه من تعدٍّ على أبسط الحقوق الإنسانية، مناسبة جديدة للتشنيع على الإدارة الأميركية وازدواجية معاييرها في ما يتعلق بحقوق الإنسان.

Ad

شكراً لسامي الحاج لأنه ذكرنا بوجود معتقلين سوريين في سجون غوانتانامو. الخبر الذي تناقلته بعض المواقع المحلية، باعتباره مفاجأة! وجود ثمانية معتقلين سوريين على الأقل في المعتقل، يعرفهم الحاج، ومنهم أب وابنه لم يلتقيا خلال سنوات خمس من اعتقالهما.

يذكر أن القوائم التي أعلنها البنتاغون منذ أكثر من عامين استجابة لدعوى قضائية من وكالة الأسوشيتد برس اعتمادا على قانون حرية المعلومات، واحتوت عدة مئات من أسماء نزلاء غوانتانامو، قد تضمنت أسماء أحد عشر معتقلا سوريا. كما أن بيانات منظمات حقوقية عديدة تعرضت للموضوع خلال السنوات القليلة الماضية، كان آخرها منذ نحو شهرين، حول اعتقال زوجة أحد المعتقلين في غوانتانامو.

في لقاء أجرته معه صحيفة سورية شبه رسمية أخيرا، وجه الحاج، مصور قناة الجزيرة الفضائية الذي أمضى ست سنوات في معتقل غوانتانامو، نقدا حادا للدول العربية، على اعتبار أن «جميع المعتقلين من الجنسيات الأوروبية تم إطلاق سراحهم مبكرا»، أما المعتقلون العرب باستثناء دول قليلة تابعت وتتابع قضية معتقليها هناك، فلا يزالون في طي الإهمال والنسيان. «إما لأن دولهم لا ترغب في عودتهم، ولم تضغط لإخراجهم، أو لأن هؤلاء المعتقلين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم بسبب وجود أحكام سابقة عليهم تصل إلى الإعدام»، كما قال الحاج.

والمشكلة الوحيدة في ما سبق ذكره، أنه لا يمكن رمي أولئك المعتقلين في البحر، وبالتالي لا بد من استعادتهم إلى دولهم بدل تركهم لمصيرهم في المعتقل. لكن عودتهم يجب ألا تعني مواجهة حبل المشنقة، أو سنوات جديدة مشابهة من التعذيب وإساءة المعاملة، بل محاكمة عادلة وإعادة تأهيل، وهو ما لا يتوقع حصوله على أي حال، ويزيد من تعقيد قضية المعتقلين وتأجيل خلاصهم من جحيمهم الحالي.

مع العلم أن الدول العربية وجدت في معتقل غوانتانامو وبشاعة ما يمارس فيه من تعد على أبسط الحقوق الإنسانية، مناسبة جديدة للتشنيع على الإدارة الأميركية وازدواجية معاييرها في ما يتعلق بحقوق الإنسان. ولم توفر إعلامها وأصوات رسمييها للتذكير بهذا المعتقل وتلك الممارسات في كل حين.

لكن بدا لأحيان كثيرة، وكما يتجلى من تصريح الحاج بوضوح، أن تلك التنديدات والاعتراضات كانت تتعلق بالإدارة الأميركية بحد ذاتها، بالعلاقات بينها وبين الدول التي تنتقدها، وبالمعتقل كفكرة وجدران وحراس، مرفوضة لنسبتها إلى الامبريالية وليس باعتبارها أمرا مرفوضا بحد ذاته، فيما بقي ضحايا المعتقل خارج دائرة الاهتمام والتركيز. وهو أمر لا يستغرب، والسجون العربية تضم آلاف المعتقلين على خلفية «الحرب ضد الإرهاب» في ظروف لا تقل سوءا أحيانا عن ظروف غوانتانامو، وفي افتقار شبه تام للمعايير الدنيا لحقوق السجناء والمحاكمات العادلة.

وكذلك تركت عائلات المعتقلين لظروفها البائسة والقاسية في معظم الأحيان، وكان لرعاية تلك العائلات سواء على الصعيد الرسمي أو على صعيد منظمات المجتمع المدني، خصوصا فيما يتعلق بالنساء والأطفال، أن يشكل عاملا مساعدا في إعادة دمج المعتقل بمجتمعه حين عودته، وأن تسهم عائلته في أن تكون عامل ردع معنوي له من العودة إلى طريق التشدد والعمل العنفي، في حال صدقت التهم التي توجه له في هذا الإطار. وبدل أن ينشأ جيل جديد من الأطفال الصغار حاملين فكرة الانتقام لآبائهم من «أميركا المتجبرة والأنظمة الكافرة»... إلخ، تشكل الرعاية المعنوية والمادية لهم، حاجزا ضد الشعور بأن العالم عدو لهم، وبأن آباءهم قدوتهم للمستقبل.

في المحصلة، تجد المنظمات الحقوقية الدولية التي تطالب وتنظم الحملات من أجل إغلاق معتقل غوانتانامو، تجد نفسها في مشكلة حقيقية تتعلق بالمصير الذي ينتظر المعتقلين في حال جرى بالفعل إغلاق المعتقل. وتورد تلك المنظمات أن العديد من المعتقلين رفضوا العودة إلى بلادهم خوفا من هذا المصير. فيما تستمر المنظمات المحلية بالتعامل بحذر وبروح «المناسبة» مع قضايا مماثلة، آخذين بالاعتبار في الوقت نفسه، قلة حيلتها وقدرتها على التأثير.

ولعله من المفيد أن نستذكر كلمة المفوض السامي لحقوق الإنسان من أنه «لم نشهد تجربة ناجحة تخلت عن مبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب، بل بالعكس، فإن كسب الحرب على الإرهاب لا يتحقق إلا عندما تحترم القواعد الدولية لحقوق الإنسان احتراما كاملا».

* كاتبة سورية