قليلا... وشهقة
عنوان غريب، يلفت النظر، وإن حاولت أن تفهمه فلن تصل إلا إلى علامة استفهام أكبر. «قليلا... وشهقة»، هو عنوان لرواية الكاتبة الكويتية «هبة بو خمسين» وهي روايتها الأولى التي تأتي بعد مجموعتها القصصية «في قعر أمينة» ومجموعتها الثانية «ذات سكرة» وهذه المرة الأولى التي اقرأ لها، واكتشف فيها كتابة رقيقة حساسة، مع أنها روايتها الأولى لكنها جاءت في بناء محكم واستطاعت أن تمسك بجميع خيوط اللعبة، وأن تضبط إيقاعها بشكل منتظم، لم تفلت منها أية تفصيلة مهما صغرت أو تناءت.
الرواية تتناول حكاية فتاة تعيش في شبكة من العلاقات الأسرية المتشعبة، ما بين والدتها الأميركية الأصل والمرفوضة من قبل أهل زوجها، ووالدها المترمل بعد وفاة والدتها، وجدتها المتدينة وعمتها وأولادها، وصديقتها المتناسخة مع حبيبة والدها المتوفاة، والتي ستصبح زوجة لأبيها في ما بعد، وحبيبها وأهله الرافضين لفكرة زواجه منها. روايتها منفتحة إلى الخارج وذلك بسبب انفتاح عالمها الداخلي على المكان الخارجي، وهي بهذا الانفتاح تعود بها إلى شكل الرواية الاجتماعية التي صنفتها في الدراسة المعدة لندوة معرض الكتاب القادم. الرواية مكتوبة بشكل جيد ومستوفية لكل الأساسيات التي تبنى عليها الرواية، كما أنها كشفت عن العلاقات الجديدة في المجتمع الكويتي، ومنها علاقة الجيل الحالي بالأهل فلم تعد هناك نظرة الخوف والتقديس للأب، أصبحت العلاقة منفتحة وحرة وندية، قائمة على أساس الصداقة الواعية، وهذه انعكست أيضا على علاقتها بأولاد عمها وحبيبها الذي أقامت معه علاقة جسدية خارجة على مؤسسة الزواج متحررة حتى من فكرة الخوف ذاتها، وليس فقط من قيود التقاليد والتراث والمجتمع. هبة بوخمسين فتحت نوافذ الرواية لهواء الحرية، لم تختف خلف الرموز، ولا أقنعة تعدد الدلالات اللغوية. صحيح... ربما هذه المباشرة تضع لغة الرواية أحيانا في خانة التقريرية، لكنها منحت الرواية بكل بساطة صدقها وعفويتها... كذلك يبدو أن هناك شيئا من تأثير فكرة التناسخ السينمائية، لكنها تبشر بكاتبة روائية ستأتي بالجديد والمبتكر وستحفر مكانها في الرواية الكويتية، برغم عنوان روايتها غير المفهوم. هذان مقطعان من رواية «قليلا... وشهقة»: * «كان الأول والأخير ، الوحيد الذي أحس دمه في، وصدق النبض منه يعيدني دوما لأحضانه. كان درس الجنس والعلاقات الإنسانية والجسدية -ويا لغرابة الأمر- هو مفتتح الصداقة بيننا، وخطوة أولى نحو شفاء عميق لكل ندوب الذاكرة. «جعفر» هذا الحقيقي الذي أغبطني عليه، أيقظ فطرتي، أنار الطريق لإنسانيتي، أشعل عواطفي واحتواها، زرع حبا لذاتي واستداراتي، وللبذور النابتة في صدري، شرع قلبه لي، لأسئلتي، ولخيالي، أمطرني نصائح قدمها بكل الطرافة ليقصي الحرج بيننا إلى حيث لا رجعة. هكذا كانت أبوته الصادقة». * «إنهم يربون الخوف فينا، ينشئوننا على فرز من حولنا، ووضع كل في مقامه ومنزلته التي يحددونها له، ومن ثم لك أيضا. فمنذ الصرخة الأولى لابد من تصنيف يطالك، يحجمك يهديك سلفا مقدارك ومعطياتك التي يضيفونها باحتراف جاهلي. لون بشرتك، عيناك وشعرك، تفاصيل أطرافك، ثم يحملونك بالتفاسير إلى جدود أجدادك لتحليل نسبك وتقييمك الذي يرافقك كظل مربك لخطوك. يربون الخوف بإتقان لا يفقهونه أصلا. إنه الخوف فيهم يبررون تكبيله لهم بأن يلصقوه بنا، بأن يشهدوا تقاطيعنا مرسومة بتردده، محاطة بقيوده، وأشواكه مغروسة في معاصمنا. تعيد علينا التفكير تكرارا قبل الخطو إلى غير الدرب التي عبدوها بمعرفة الأولين، وامتطوها في مسير لا يعترف بأحقية التساؤل ولا البحث عن الأجوبة».