أكتب إليك سيدي وأنا لم أشهد من سيرتك العطرة، سوى ما قرأته عن مسيرة حكمكم الرشيدة التي شهدت فيها بلادي زهو أيامها، بإعلان الاستقلال يوم 19 يونيو من عام 1961، ثم تدشين الدستور في 11 من نوفمبر من العام 1962، وعديد من محطات أعلنت أن الكويت، أتت لتضيف الكثير لمسيرة الركب الإنساني.

Ad

أميري الأثير:

أرفع إليكم في ذكرى جلوسكم، هواجس أحد مواطنيكم، ممن يعيهم ما يدور في الكويت، فنحن منذ غبت عنا، وتجربتنا الديمقراطية دائما ما تعود إلى مربعها الأول، ومتى ما تقدمت خطوة إلى الأمام، عادت إلى الوراء خطوات، فأصبحت خياراتنا محل تشكيك دائم، وتحولت حرياتنا إلى بستان محاط بحقل ألغام، تود الاستمتاع به، لكنه يبقى محفوفاً بالمخاطر، وأزعجنا من بعدك الفساد، كما طغت الخلافات، وبعضها من داخل البيت الكبير الذي جئت من رحمه، وارتفعت الأصوات المزعجة بين الحين والآخر.

في عام 1962، أعلنتم على الملأ موافقتكم على وثيقة الدستور التي قدمها إليكم مواطنو بلادي، عبر ممثليهم في المجلس التأسيسي، فشهدت الكويت انتخاب أول برلمان في حياتها، وأعقبته حركة نهضة شاملة في مفاصل الدولة، التي قدمت نفسها على أنها «الكويت بلاد العرب»، لتحفر «كويتي» مكانها وسط هذا العالم.

سيدي: بعد أن توفاك الله برحمته، بكَتْك كل الكويت، ولاتزال، كما قيل لمحبيك إن عهدكم لم يكن سوى «عهد مزاح»، فكان أن انقُلب على الدستور عدة مرات، رغم كونه وثيقة حكم ومحكومين، اعتمدتموها مع شعبكم، لترسيخ دعامات حكمكم الميمون، فسادت الكويت أجواء، تماثل ما تشهده هذه الأيام، تنذر بعواصف كتلك التي شهدتها أعوام 1967، حينما زوّرت إرادة الناخبين، بعيد وفاتكم بعامين، و1976 وهو العام الذي شهد تعليق الدستور ومجلس الأمة، وأيضا 1986 الذي شهد نفس الخطوة، قبل أن يخرج المواطنون في الشوارع مطالبين بوقف العبث، وإعادة ما اُغتصب منهم.

لو كان الرثاء يعيد ميتاً إلى الحياة، لرثيتكم ما حييت، لكن عزائي الوحيد في غيابكم، أن ما قمتم به أنتم وبقية المعجونين بحب الكويت، لايزال مثار إعجابنا حتى اليوم، فكلماتكم وموقفكم المؤيدة للشعب ورغبته وحريته وإرادته، محلّا استذكار كثيرين هذه الأيام وغيرها، إلى جانب احتفائنا كل عام بذكرى جلوسكم، فخورين بأن يختزل اعتلاؤكم سدة الحكم، في هذا اليوم من عام 1950، مسيرة استقلال وطن حمل على كتفه هم الريادة في المنطقة.

تؤكد كتب التاريخ، أن الزمن لا يقف بانتظار أحد، وعجلات الأوطان تتقدم ناحية الأمام، فالتراجع يدفعها إلى الأسوأ، وكذلك، ربما يجامل التاريخ أحياناً، لكنه لا يرحم أبداً من يسيء التعامل معه، أو تزويره، لذا لا يستطيع سوى قلة زخرفة أسمائهم على سقوف أعوامه، فاسمح لي أن أؤكد لكم، ولبقية فرسان كتيبة النور الذين رافقوا مسيرتكم، وأولئك الذين جاهدوا للحفاظ عليها، والساعين إلى إيصالها إلينا، جيلاً عبر جيل، أننا لن ننسى يوماً ما أن هذه كويتنا الجميلة، لم يقيّض لها أن تكون كذلك، لولا أن تولى أمرها رجلٌ يسمى عبدالله السالم الصباح، فالكويت، كما نحن، نتشرف بأنك أحد صنّاع تاريخنا، وكم هم قلة الذين استطاعوا اختزال أوطانٍ بأسمائهم.