مشكلة... أن تضحك وحدك!
قبل عشرة أعوام مضت أو أكثر، شاهدت برفقة مجموعة من الأصدقاء الفيلم الكوميدي «بخيت وعديلة»، بطولة الفنان عادل إمام وشيرين، الفيلم كان ظريفاً للغاية وحفل بالمشاهد الطريفة والمضحكة، التي جعلت الجمهور الذي ملأ الصالة يضج بالضحك بين مشهد وآخر، فيما كنت أنا، طوال مدة الفيلم، أكتفي بالابتسام فقط، فلم أرَ ما يستحق هذا الضحك كله من الجمهور، حتى جاء المشهد الذي يطلب فيه عادل إمام عشاءً كبيراً يكفي لإشباع قبيلة، ليأكله وحده، وذلك بعد أن وقعت بين يديه -وبمحض الصدفة- ثروة طائلة لم يحلم بها يوماً!وما إن وصله العشاء الفاخر العظيم حتى راح يلتهمه بنهم شديد، كأنما يلتهم سني الفقر والحرمان الطويلة، وهو أثناء ذلك يردد أغنية تتكون من جملة واحدة هي «وأنا من البلد دي..أنا من البلد دي»، يكررها مع كل قضمة يقضمها، حتى انتفخ كرشه وانقطع نفسه، لكنه مازال وبكل إصرار يردد «وأنا من البلد دي، أنا من البلد دي»، رحت أضحك بشدة وبشكل غريب ومتواصل، وكلما أعاد جملته هذه، تعالت ضحكاتي بصورة هستيرية، لأنني تصورت ما يعنيه بكلماته تلك التي كان يعيد تكرارها، فقد كان -حسب ما ظننت- يريد أن يقول إنه ليس إلا أحد الجائعين الذين لا حصر لهم في هذا البلد، ولم تكن تلك أغنية بريئة، بل كانت شتيمة مغلفة للحكومة المصرية لم يفهمْها الكثير من الجمهور، المهم أنني ضحكت حتى كدت أبكي من شدة الضحك، لكنني حين انتهيت من فاصل الضحك المتواصل، اكتشفت أنني أضحك وحدي، وأن الأصدقاء -وغير الأصدقاء- من الجالسين حولي ينظرون إليّ باستغراب شديد، فليس في الأمر ما يضحك حقاً!
ومرة أحضر أحد الأصدقاء شريط فيديو لمسرحية كوميدية أردنية يقوم أبطالها بتقليد الحكام العرب كلهم تقريباً -عدا الملك حسين، رحمه الله، طبعاً- وكان هذا بعد الغزو بسنوات عدة، قال إنها «تموِّت» من الضحك، شاهدناها معاً فما موتتني إلا همّاً وغماً، فقد كانت قمة في «الملاغة»، فغضب صاحبي وقال «يا عمي أنت شنو يضحكك، روح طييير زين»، عندها فقط ضحكت، ليس على المسرحية... إنما على الطريقة التي غضب بها الصديق العزيز!وفيلم آخر قديم لعادل إمام «لصوص... ولكن ظرفاء» شاركه البطولة الفنان أحمد مظهر، وقد كان هناك مشهد مضحك للغاية -بالنسبة لي- هو المشهد الأخير، حين يُلقى القبض عليهما وهما يسرقان محلاً للمجوهرات، من خلال فتحة صنعوها في سقف المحل، عن طريق الشقة الخالية أعلاها، فبعد أن وضعا المسروقات في كيس كبير وهمّا بالصعود، صعد اللص الأول أحمد مظهر ليجد رجال الشرطة في انتظاره فاستسلم لهم بهدوء وصمت، فقاموا بعد ذلك بسحب اللص الثاني عادل إمام بحبل، وهو يحسب أن من يسحبه شريكه، وكان منتشياً يغني «بلدي طنطا.. وأنا أحب أعيش أونطه»، وهي الأغنية التي كان يغنيها طوال الفيلم، فما إن صعد وشاهد رجال الشرطة يحيطون به، حتى راح يتفحص وجوههم وهو مصدوم، ولم يتوقف عن الغناء، لكنه أبطأ الإيقاع قليلاً، وهو يقول وبصره مركز على وجه الشرطي الملاصق له «آآآه أونطه» ثم ينظر إلى وجه شرطي آخر ويردد «أأأأم أونطه»! ورغم أنني شاهدت هذا المشهد مرات عديدة، فمازال يضحكني كثيراً، وآخر مرة شاهدت الفيلم قبل أيام مع أحد الأصدقاء، وقد توقعت أن «يفطس» معي من الضحك، وعلى المشهد الأخير بالذات، إلا أنه لم يجد فيه ما يثير حتى الابتسام، وربما استسخفني في قلبه، وقال «مو صاحي»، فقد بدا على ملامحه ما يشير لذلك!الصديق العزيز نفسه، كان قد دعاني قبل أيام إلى مشاهدة فيلم أحمد حلمي الأخير، فهو من كبار المعجبين به، وقد شاهد الفيلم ثلاث مرات، الثالثة كانت للأسف معي، ومع هذا كان يضحك من كل قلبه، حاله كحال بقية الجمهور، فيما كنت أنا أتصنع الضحك، مجاملة لصاحبي الذي دفع ثمن التذاكر، فلم أجد في الفيلم ما يدعو إلى الضحك ولا حتى الابتسام!أين المشكله يا ترى، هل أنا أكثر ذكاءً لأفهم النكته قبل الآخرين، أم أن استيعابي بطيء ولا يسعفني كثيراً، لأفهم النكات و«الإفيهات» التي يلقيها الممثلون في بعض الأفلام؟!لا أدري، قد يكون شيئاً من هذا، وشيئاً من ذاك، وليست هي المشكلة، المشكلة هي أنني صرت أجد حرجاً شديداً، في مشاهدة الأفلام الكوميدية برفقة الآخرين، فأرفض الدعوة إلى مشاهدة أي فيلم كوميدي إن كان يعرض سينمائياً، وأقوم بتغيير القناة الى أخرى إن كانت الفيلم يعرض في التلفزيون!