ممنوع في الكويت
بلغ الاختناق في الكويت الذروة، حيث أصبحت كلمة ممنوع هي القاعدة والمسموح هو الاستثناء، وما عليكم إلا أن تبحثوا في محرك البحث «غوغل» عن كلمة «ممنوع في الكويت» وسترون العجب العجاب، فمعظم الكتب تمنع والعديد من الأفلام يتم رفض عرضها. وآخر الممنوعات هو بالفعل مدعاة للتندر حيث تم منع، بخطة قلم الرقيب السريعة، عرض لإعلان تجاري لشركة بيان لطب الأسنان في دور السينما، الذي كلف الشركة مبالغ هائلة لما يحتويه من إبداع في الإخراج والتصوير والفكرة، والسبب هو أن المرأة التي تظهر في الإعلان تحمل مجلة على غلافها صورة «لامرأة شبه عارية» حسب رقيب وزارة الإعلام. وبعد التدقيق في الإعلان وجدت بصعوبة بالغة صورة هذه المرأة التي لم تكن «شبه عارية» أصلا، وهو ما يدل على عقلية مريضة تنظر للناس وكأنها حيوانات مسعورة. وهذه القضية هي مجرد حالة من الحالات الكثيرة، التي لا تعد ولا تحصى، التي منعت فيها أعمال إبداعية بكل برود أعصاب ولا مبالاة بسبب الهلع والجزع من الفكر المتطرف المسيس الذي تأصل في العقول حتى يكاد يصيبها بعمى البصر والبصيرة. أما الكتّاب فهم يعيشون في حالة خوف دائم بسبب قانون المطبوعات سيئ الذكر، وملاحقة العديد منهم و «جرجرتهم» إلى النيابة العامة.. هل هناك أكثر من هكذا إهانة للكرامة الإنسانية؟
والسؤال هنا: هل تنتظر الحكومة هجرة الكثير من المواطنين، مجبورين لا مختارين، حتى توقف هذا التسييس المفسد لكل مناحي الحياة؟ حيث تصبح الحياة مستحيلة وغير قابلة للعيش الكريم، فالحريات التي ناضل الكويتيون من أجلها تحتضر في غرفة الإنعاش، فلم يعد للفكر الحر والإبداع هنا مكان. المعضلة في الحالة الكويتية أننا لم نعِ بعد أهمية الفصل التام بين السلطات، وهو الضامن الرئيسي ضد الاستبداد والاضطهاد، ولم ندرك بعد أن ما يجعلنا نتخلف عن الغرب الحر هو خلطنا الشامل للسياسة بالدين، ولم نستوعب بعد أن تسييس وأدلجة الوزارات لاسيما وزارة التربية والتعليم العالي لم تحصد إلا التطرف والغلو والطائفية. وبينما يسعى الغرب إلى توسيع حريات التفكير والإبداع والاختلاف والنقد، نبالغ نحن في تغليظ خطوطنا الحمراء لتصبح سيفا مصلتاً على كل كاتب أو مفكر أو مبدع، إذ لا يمكن اختزال مفهوم الإبداع فقط في الحديث الشريف «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار». وإذا نظرنا إلى ذهنية ذلك الرقيب المسيس، نجد أن حاله كحال الكثير من الناس يعاني مرض الخضوع والطاعة والإذعان التي تربى ونشأ عليها على حساب الإبداع والتفكير النقدي، فأصبح في حالة خوف دائم من الإبداع والتغيير والحركة (أساس تقدم الشعوب وتطورها). وفي خاتمة المطاف لم نجن نحن من هذه العقلية الخائفة سوى السكون القاتل والثبات المدمر في عالم يتنفس الحركة لأنه أدرك واستوعب أن بقاءه مرهون بها. إن الاعتماد على المادة واستيراد إبداعات الغير من أجهزة واختراعات حديثة كوسيلة للوصول إلى الحداثة والتقدم لن يجدي نفعا دون تجذير الحداثة وقيم الحرية في وجدان الإنسان وذهنه، فالإبداعات المادية لم تكن إلا بسبب الإبداعات العقلية. وحين تنتزع الروح الإبداعية وتقهر في المجتمع يكون التخلف والتقهقر مصيره المحتوم، والأدهى والأمر من ذلك أننا ننسب تخلفنا إلى قوى خارجية متآمرة «منشغلة» في تحطيم هويتنا وقيمنا! وهو ما يجعلنا نتساءل بحيرة: هل هويتنا وقيمنا تعاني هزالة وهشاشة لدرجة أن كتابا أو فيلما أو أي عمل إبداعي سيجعل منها حطاما وخرابا؟ فقد قضينا سنواتنا العجاف نتحدث ونبحث ونناضل من أجل الحفاظ على هذه الهوية الغارقة في التعصب والانغلاق والجمود، بدلا من الانشغال بقيم التطور والحداثة، والنتيجة تجذر العزلة والخوف وسيطرة عقلية الوصايا المتعالية ليتحول الناس إلى مقلدين لا مبدعين. السؤال: هل سيتم إنعاش حرياتنا المسلوبة أم سنتركها تحتضر حتى الموت؟ فالتقدم بلا شك هو الإبداع والحرية وقوده.