Ad

كشف التحرش الحكومي بالمجلس أن الوزراء «شورهم مو بإيدهم» في التصويت على مناصب المجلس ولجانه، فليس من الضرورة أن يصوت الوزير للنواب المحسوبين على كتلته البرلمانية لشغل منصب أمين السر أو المراقب أو للدخول في لجان المجلس في أدوار الانعقاد القادمة.

العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة يحددها الدستور واللائحة الداخلية في بعديها السري والعلني، وتشتمل هذه العلاقة على آلية تشكيل مجلس الوزراء وتمثيل الكتل البرلمانية في الوزارة كما تشمل طبيعة العمل الندي أو الإيجابي تحت قبة البرلمان، ولا تخلو هذه العلاقة من ترتيبات وتكتيكات ومناورات حسب مقتضيات اللعبة السياسية.

ولكن تبقى حقيقة واحدة جلية لراصدي النشاط السياسي بأن تأثير الحكومة على المجلس، وفي المقابل تأثير النواب على الحكومة عادة ما تكون مكشوفة أو يسهل قراءتها رغم النفي المستمر من الطرفين وإنكار أي صفقات إعلامياً.

ولهذا فإن إعلان الحكومة عن تصويتها لمنصب نائب رئيس مجلس الأمة في جلسة الافتتاح لا ينم عن حنكة سياسية، ومثل هذا الإعلان يعد مؤشرا على التحرش السياسي بالمجلس أو مجموعة من نوابه، ومحاولة قد لا تكون موفقة في استعراض القوة خلال كشف بعض أوراقها السياسية.

وبغض النظر عن الرسالة التي حاولت الحكومة إيصالها إلى النواب أو القوى السياسية الداعمة لهم إلا أنها وقعت في منزلقات دستورية وارتباك سياسي يفرض ألا يقع فيه المبتدئ في عالم السياسة، فمن جهة خالفت الحكومة نصاً دستورياً صريحاً حول سرية قرارات مجلس الوزراء، ومن جهة أخرى انتهكت مادة دستورية أخرى تفرض التضامن الحكومي في التصويت داخل مجلس الأمة، كما انتهكت مادة دستورية ثالثة تقضي بسرية التصويت داخل مجلس الأمة في انتخابات مكتب المجلس ولجانه، أي أوقعت الحكومة نفسها في ثلاثة انتهاكات دستورية وبالجملة في موقف واحد، فلا تضامن ولا سرية التداول الوزاري ولا سرية التصويت!

وعلى صعيد البعد السياسي وقعت الحكومة أيضاً في تناقض خطير إذ انفردت بتسريب قرار تصويتها على منصب نائب الرئيس دون بقية المناصب الأخرى، ولعل من أهمها منصب الرئيس إضافة إلى أمين السر والمراقب، وكذلك جميع اللجان البرلمانية العاملة، التي رغم وضوح موقف الحكومة منها فإنها تبقى غير معلنة.

ولذلك فإن أول اختبار عملي لعمل الحكومة داخل قاعة البرلمان كشف عن فضيحة سياسية، وفتح أبواب الخيارات المفتوحة للسلطتين في التعامل مع بعضهما بعضا على امتداد الفصل التشريعي، ومن هذه الخيارات كيفية استخدام الوزراء المحسوبين على الكتل البرلمانية في العلاقة الثنائية بين المجلس والحكومة.

فعلى سبيل المثال كشف التحرش الحكومي بالمجلس أن الوزراء «شورهم مو بإيدهم» في التصويت على مناصب المجلس ولجانه، فليس من الضرورة أن يصوت الوزير للنواب المحسوبين على كتلته البرلمانية لشغل منصب أمين السر أو المراقب أو للدخول في لجان المجلس في أدوار الانعقاد القادمة، وعليهم أن يلتزموا بالقرارات الوزارية في هذا الشأن، وقد يفسر بعضهم أن هذا شأن حكومي والدستور يكفل هذا الحق للوزراء، وقد لا تقع الحكومة في المطب مرة أخرى لتعلن اتجاهات تصويتها وتبقيها في طي الكتمان والسرية، وقد يكون هذا تبريرا صحيحا في حد ذاته.

ولكن في المقابل فإن «غشامة» الحكومة أو اجتهادها الخاطئ في مستهل عمل المجلس يعطي المبرر للنواب للتنصل من الدفاع عن الحكومة مجتمعة بحجة وجود وزير ممثل لهم أو محسوب عليهم داخل الحكومة، خصوصاً في المواقف الصعبة ومنها الاستجوابات وما قد يتبعها من طلبات طرح الثقة والتصويت عليها مستقبلاً، وذلك من باب لماذا هذا التكتيك حلال للحكومة وحرام على النواب؟