النائب عبدالله الرومي يتعرَّض منذ الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة، لحملة شرسة من التهجم والتجريح والشتائم، فهناك مَن يصفه في الصحافة بهتلر، ومَن يقول على شاشة التلفزيون بأنه عنصري... كل ذلك لأنه قال في تلك الجلسة إن «البدون» الذين كانوا يقومون بواجباتهم في الجيش الكويتي، يقومون بذلك لتلبية مهام وظيفتهم ومقابل الأجر الذي يتقاضونه وفقا لاتفاقهم عند الانخراط في الجيش.

Ad

عبدالله الرومي ابن الكويت والنائب منذ ثلاثة عقود تقريباً والناشط في حركة «دواوين الاثنين» لاستعادة الحياة الدستورية، لم يجد وسيلة إعلام واحدة أو قلما كويتيا شجاعا واحدا يدافع عنه في بلده ليصبح كالغريب فيه، وهو ما يثبت مدى قدرة ونشاط وتغلغل مَن جعلوا قضية المقيمين في البلاد بصورة غير مشروعة، وهي التسمية الرسمية للدولة لـ«البدون»، خطاً أحمر. فمَن يحاول أن يناقشها أو يظهر المزورين المتخفين خلف الفئة المحدودة من «البدون» المظلومين، يصبح فريسة مطاردة لأذرعهم التي أصبحت منتشرة ومغروزة في جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وجاهزة للتشهير به بتهم العنصرية والدماء الزرقاء، وعدو حقوق الإنسان... إلخ، حتى كادوا أن يصلوا إلى اتهام البعض بمعاداة السامية! فأرهبوا الجميع من الكلام في هذه القضية ما لم يكن فحواها يصب لمصلحتهم حتى لو كان الأمر يمس عصب الكويت فيما يخص استقرارها وأمنها وهويتها.

كل ما قاله عبدالله الرومي كان توصيفاً لمهام جندي يتطوع في جيش لا يحمل جنسيته، ودون وعد أو تعهد مكتوب أو شفهي عند انخراطه فيه بمنحه تلك الجنسية، فلماذا يرتدي زيَّه ويحمل بندقية قتال سيواجه بها عدواً مقاتلا آخر سوى للمقابل أو الأجر؟

وهنا لابد أن أتذكر واقعة مهمة، ففي ربيع 1986... وخلال تأديتي للخدمة العسكرية الإلزامية في الكتيبة 50 مدفعية المحمولة، اشتدت الحرب العراقية-الإيرانية وتمكنت قوات الأخيرة من احتلال شبه جزيرة «الفاو»، وأصبحت على مرمى «حذفة عصا» من الأراضي الكويتية، وتم إعلان حالة الاستنفار في الجيش الكويتي، وعلى إثره تم نقلنا إلى جزيرة بوبيان، المشهد هناك كان خطيراً والقصف يطول أطراف الجزيرة بينما كانت جزيرة وربة تهتز طوال الليل منه، والجثث تُرى طافية في الصباح على سطح مياه الخليج، وفي كل تلك الأحداث المرعبة كان يرافقنا العشرات من المهنيين الذين يحملون رتباً عسكرية من الجنسيات الصومالية والباكستانية والأردنية وخلافه... فما سبب تحملهم تلك المخاطر سوى الأجر؟ فهل كانوا يدافعون هناك عن علم وطنهم؟

أما الحديث عن حروب الكويت الخارجية فهي حروب قومية وليست حروبا توسعية لمصلحة نفوذ أو تحقيق مكاسب كويتية... ومَن كان يقف على جبهتي قناة السويس والجولان في 1967و 1973 هم العرب جميعاً من مراكش حتى البحرين دون تمييز لجنسية أو موطن.

قضية البدون... قضية إنسانية... إنسانية... إنسانية... فيها أناس مظلومون يجب أن يُرفع الظلم عنهم بالوسائل كافة، وليس بوسيلة التجنيس فقط، ومنهم مَن استشهد وقدم تضحيات لمصلحة الكويت، ويجب أن يكافؤوا وأبناءهم بالحصول على شرف الجنسية الكويتية.

ولكن ما يمارس من ترهيب واتهامات لا يمكن قبوله أو الاستسلام له مهما عظمت وسائل المزورين والمندسين بين تلك الفئة المظلومة، سواء كان مَن يساندهم في وسائل الإعلام أو حتى تحت قبة قاعة «عبدالله السالم».

فكيان وأمن الكويت لن يفرِّط بهما أي كويتي مهما ناله من اتهامات وافتئات على الحقائق، فنحن أهل الخير والرحمة وحقوق الإنسان ولن نطلب شهادة من أحد بذلك، ولن نستسلم من أجل صوت انتخابي من هنا أو هناك ونفرِّط بالأمانة في سبيله.

ونسألهم هل تقبل أميركا أن تمنح الجنسية لـ10%من سكانها، (أي 30 مليون شخص تقريبا)، كما يطالبون هنا في الكويت؟ علما بأن هناك ما يقارب المليوني إنسان في الولايات المتحدة من عديمي الجنسية، ونذكِّر مَن ينظم حملات التشهير والاتهامات لرجالات الكويت والمقارنة بين أوباما ومشكلة «البدون»، أن أوباما الأب دخل من مطار نيويورك بأوراق رسمية وبيانات صحيحة ومدققة... وليس «قطوع» في ليلة ظلماء يُفتقد فيها البدر و«كشافات المخفرِ».