من الحكايات الشعبية الطريفة حكاية تقول: إن امرأة عاقرا لا تنجب جربت كل شيء، فبذلت الغالي والنفيس، وقصدت الأطباء والمشعوذين والدجالين والشيوخ، وتنقلت حافية راجية بين قبور الصالحين، ورفعت يديها متوسلة تدعو كل ليلة، ولم تبخل بنذر على أحد من الأحياء والأموات، لكن المسكينة لم ينتفخ بطنها ولم تحمل، واستمرت حياتها حزنا وهما وكآبة!

Ad

حتى سمعت بأحد الشيوخ الأتقياء الزاهدين الورعين المباركين، حيث قالوا لها إن سمعته «زي الجنيه الدهب»، وأنه مقتصد في بركته، فهو لا يداوي سوى عدة أشخاص كل عام، لأن له قدرا معينا من الحالات يسمح له الأولياء المباركون بالنظر فيها، ويفضل أن يكون أصحابها ممن امتلأت جيوبهم وكثرت خيراتهم!

دخلت المرأة المسكينة عليه، كان شيخاً وقوراً له سمت وهيبة، يرتدي عباءة بيضاء بلون لحيته، وعلى رأسه عمامة خضراء، قبّلت يديه، وسكبت الدمع عند قدميه، ورجته طويلا ليضع لها موعداً مباركاً مع الأولياء، حتى كسرت المرأة خاطره، ورق قلبه الكبير عليها، وتقدم لها بطلب استثناء عند حضرة الأولياء، وبعد أخذ ورد، وطول انتظار، جاءه الجواب بالموافقة الخطية ممهورا بتوقيع كبير الأولياء!

فرحت المرأة أيما فرح، وكادت أن تطير من السعادة حين بدأ الشيخ عمله وانتشرت سحابات البخور في أرجاء الغرفة، وبدأت الطقوس، وانتفض الشيخ مرتعشا وراح يهز رأسه ذات اليمين وذات الشمال وهو يقول «الله حي... حي... الله حي... حي»... استمرت وصلته الحيية عدة دقائق، كتب بعدها تعويذته التي لا صار ولا حصل مثلها، ثم أرجع رأسه إلى الوراء قليلا، وخزها «هذيك الخزة» قبل أن يبصق بصقة قوية «من قلب» في وجه المرأة المبتسم، لتحل البركات عليه من جميع الزوايا، ثم تمتم بكلمات لا يفهمها سواه والأولياء، ووضع لها التعويذة داخل لفة صغيرة، ثم ربطها بشدة طالبا منها أن تعلقها حول رقبتها، وتحرص عليها حرصها على الحياة، فلا تعطيها لأحد، ولا تدع أحدا يفتحها أبدا، وبشرها بأنها «ببركة الأولياء» ستحمل ولدا ذكرا «دماغه كبير» من فرط رضاهم عليها!

وأن هذا الولد سيكون له شأن عظيم، عظيم جدا، وما عليها سوى أن تكون صبورة، لأن الأمر سوف يأخذ وقتا طويلا بعض الشيء حتى يتحقق، فالحكاية ليست سلق بيض!

بعد عام واحد حملت المرأة وأنجبت مولوداً ذكرا، فكان أول ما قررت القيام به هو زيارة الشيخ الفاضل، لتشكره جزيل الشكر على فضله وعطفه عليها، أخذت بعض الهدايا القيمة وذهبت إليه، ثم وهي في طريقها إلى قريتة، وسوس لها الشيطان أن تفتح اللفة وتقرأ ما كتب في التعويذة، لتعرف السر الذي كان وراء حملها وولادتها، فتحت «الحجية» اللفة وليتها لم تفعل، فقد وجدت داخلها ورقة صغيرة مكتوب فيها: «إن حملتي... حملتي، وإن ما حملتي... إن شالله عمرك ما حملتي، لعنة عليكي... وعلى اللي خلفوكي»!!

حكاية طريفة... لا بد أن بعضكم أضحكته نهايتها، شيء جميل، المهم ألا يضحك أحد عليكم هذه الأيام كما فعل هذا الشيخ بهذه المرأة الساذجة التي اغترت بمظاهر التدين والورع الخارجية البادية عليه، ففي هذه الأيام الانتخابية المباركة، تزداد أعداد الممتطين صهوة التدين من أجل مصالح دنيوية، فيكثر دجلهم وشعوذتهم ونفاقهم ورياؤهم، انظروا حولكم وسترون أن عدد اللحى المباركة التي تستخدم أسوأ الأساليب للإساءة للخصوم يزداد مع كل موسم انتخابي، ونشاهد كل يوم سلوكيات وتصرفات لا تتفق مع ما يفترض أن يكون عليه المرشح المتدين من خلق وسماحة وتواضع وصدق، لكنها قيلت من زمان، السياسة والدين... لا يجتمعان في قلب صادق أبدا!

«إيش جمع الشامي عالمغربي... وإيش جمع خبث ودهاء ومناورات ومراوغات السياسة والسياسيين... لنقاء وصدق الدين والمتدينين»!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء