وجهة نظر الريس عمر حرب... محاولة طموح

نشر في 20-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 20-06-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين

يذكرني فيلم «الريس عمر حرب» إخراج خالد يوسف، وتأليف هاني فوزي ـ وهما من أهم الأسماء في السينما المصرية المعاصرة ـ بفيلم «كازينو» بطولة روبرت دينيرو من حيث المكان الذي يدور فيه، والبناء الدرامي ورصانته التي تتخللها لحظات ساخنة وصاخبة وكذلك ثمة تعليق صوتي وتستمر رواية البطل للأحداث من بداية كلا الفيلمين إلى النهاية.

كذلك يذكرني بفيلم «لا مكان للمسنين» الذي فاز بجائزة الأوسكار في العام الماضي من حيث محاولة تقديم صورة للشيطان، وأخيراً بأفلام المخرج العالمي رومان بولانسكي مثل «طفل روزماري» و{قتلة مصاصي الدماء البواسل» من خلال سيادة الشر والشياطين وما ينفثونه في كل مكان، والنهاية غير السعيدة بانتصار ممثلي الخير، فمن يثبت دعائمه وناموسه ويضحك أخيراً هو الشيطان.

يدور «الريس عمر حرب» في معظمه في مكان واحد، هو الكازينو، يبدأ باستقبال المدير عمر حرب (خالد صالح) لأربعين يتقدمون للعمل في المكان، ويختار منهم عشرة، من بينهم يلحظ استعداداً خاصاً لدى خالد (هاني سلامة)، فيختاره ابناً وخليلاً أو مقرباً من دون أن يخبره بذلك بدايةً، بل يضعه في اختبار تلو اختبار، حتى يتأكد من حسن الاختيار.

تكشف أحداث الفيلم عن وجود رجال آخرين مهمين يسيطرون على المكان، لكن خالد يلاحظ أن أهمهم هو الرجل الذي يلقبونه بــ الريس عمر حرب، وأنه لا يسيطر على المكان عبر قسوته اللامتناهية وحدها، وإنما أيضاً عبر قدرات خاصة. كذلك ثمة شرارة تفزعه في عينيه يراها ذات حين، لكن عموماً يتملكه شعور بالضيق حيناً والإعجاب به حيناً آخر، يتمنى أن يكون مثله، ويلتقي ذلك التمني مع عزم «الريس عمر حرب» على أن يخلق من خالد صورة أخرى مثله.

لا يتوانى عن هدف صناعة خالد أو صياغته على ذلك الشكل، فيوجه له «النصائح» على مدار الفيلم، كيف يتعامل مع المال؟ مع الشهوة والحب والنساء، النفوذ والسلطة؟

أما زينة (غادة عبد الرازق) فتغرم بخالد الى حد الجنون، ما يمكن اعتباره شذوذاً، كما تأتيه حبيبة (سمية الخشاب) زبونة الكازينو بعاطفة الحب ومشاعره الجارفة (لاحظ اختيار اسم حبيبة)، فيستعين بمنافس للريس عمر حرب للحصول على طاولة ميسر كالتي في الكازينو بهدف أن يكبر ويتعلم ويكون كمثاله الأعلى الخطير، فيحصل على مزيد من المال والنفوذ.

لكن الريس عمر حرب يضحك أخيراً، ويكشف لخالد أنه حرك هؤلاء من حوله ونحوه، ليراه كيف يتصرف كي يختبره ويعده، ويكون امتداداً له وعلى منواله.

لا يكف الشيطان عن صنع شياطين آخرين بطبيعة مماثلة، يتحكم من خلالهم في العالم ومن ثم يحكم سيطرته.

كتب هاني فوزي معالجة ناضجة، تجسد رؤية ذات طابع أو منحى فلسفي، وذلك نادر في السينما المصرية، ربما كانت المرة الأخيرة التي قدِّم فيها عمل ذو رؤية فلسفية للكون والحياة، قبل نحو عشرة أعوام في فيلم «أرض الخوف» إخراج وتأليف داود عبد السيد.

جاء إخراج خالد يوسف على مستوى ذلك الطموح كله، استطاع بتمكن أن ينجز عملاً سينمائياً رصيناً بكل معنى الكلمة، بقدر ما سرت فيه الحيوية ولحظات التوتر بل والعصبية والسخونة، لكن ظل الفيلم محافظاً على إيقاعه طول الوقت على نحو مدهش، وأعانت المخرج قدرات هائلة لتصوير رمسيس مرزوق وديكور تامر إسماعيل وموسيقى راجح داود، فأنجز العمل كأحد أبرز أفلامنا في الأعوام الأخيرة.

يبذل كل من هاني سلامة وسمية الخشاب جهداً كبيراً للوصول إلى مرحلة النضج، أما غادة عبد الرازق فقد بلغته أخيراً في هذا الفيلم وبالتوقيت نفسه مع «ليلة البيبي دول»، أما خالد صالح فهو في كل عمل يقدمه يثبت بتمكنه وسيطرته على الدور وعلى أدواته أنه ممثل قدير يقف في صدارة المشهد كله ويتقدم جيله!

back to top