العرب وإسرائيل و القنبلة القذرة

نشر في 18-03-2009
آخر تحديث 18-03-2009 | 00:00
 علـي بلوط عوّدتنا إسرائيل أنها كلما أضمرت حرباً تبدأ حملة إعلامية وسياسية عالمية لتظهر نفسها بمظهر «الحمل الوديع» الذي تحيط به «الذئاب» العربية من كل جانب. وهذا ما يجري اليوم بعد تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة أقصى اليمين، أو بالأحرى حكومة حرب.

اللافت أن إسرائيل لم تستهدف في حملتها اليوم الرأي العام العالمي فقط، بل قفزت إلى الرأي العام الإسرائيلي، والسبب سياسي وعسكري في آن واحد، أما السبب السياسي فهو تجييش الإسرائيليين على مختلف اتجاهاتهم وراء حكومتها التي بدأت براثنها الحربية تظهر، وبالتالي الضغط على حزبي كاديما والعمل للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية التي يفضل نتنياهو أن يترأسها بشروطه وليس بشروط ليفني أو باراك.

إن فتح الملف القديم بامتلاك بعض الدول العربية صواريخ مزودة برؤوس جرثومية وكيماوية ليس موضوعاً جديداً. فإسرائيل تعرف، وربما بالأرقام، وجود هذه الصواريخ وعددها في أكثر من ترسانة عسكرية حربية إذا لم نقل كلها، خصوصا الترسانة السورية والمصرية. إن امتلاك هذه الصواريخ كان بديلاً عن السعي لامتلاك القنبلة النووية في استراتيجية «توازن الرعب» التي وضعها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في الثمانينيات ونفذها في التسعينيات بعد أن أدرك أن السعي وراء السلاح النووي مكلف جداً ومحفوف بالمخاطر، وأن السلاح الكيماوي والجرثومي يؤدي إلى نفس النتيجة في التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل التي تمتلك أكثر من 200 رأس نووي لا تستطيع أن تستخدم واحداً منها. هذا بالإضافة إلى أن كلفة الحصول على هذا النوع الذي سُمي بـ«السلاح القذر» قليلة جداً بالمقارنة بنفقات السلاح الأكثر قذارة وهو القنبلة النووية. وبالإمكان القول اليوم وبكل ثقة إن الترسانة السورية تمتلك قدراً كبيراً من هذا السلاح الاستراتيجي وبأعداد وأنواع مختلفة. كل هذا تعرفه إسرائيل، وأيضاً الولايات المتحدة، وكذلك الدول الغربية، فلماذا تفتح إسرائيل هذا الملف القديم المعروف لدى الجميع إذا لم تكن نواياها عدوانية؟!

إن سورية وضعت ضوابط شديدة التعقيد لاستخدام السلاح القذر، وهي لن ترميه في ساحة القتال إلا في حالات الدفاع القصوى عن النفس، أي عندما تشعر القيادة السورية بأن الهجوم الإسرائيلي المرتقب يستهدف احتلال دمشق، أو تدمير البنية التحتية السورية المدنية والعسكرية على حد سواء بأسلحة غير تقليدية.

تلك هي بعض المبررات السورية التي يمكن في ظلها استخدام سلاحها القذر، وبمعنى أوضح، فإن القيادة السورية تمارس وبحرص شديد سياسة ضبط النفس إلى أبعد الحدود، وتعتبر سلاحها الاستراتيجي سلاح ردع سياسي أولاً وعسكري ثانياً يجوز استخدامه عندما تقتضي الضرورات الأمنية التي تحدثنا عنها أعلاه.

في الجانب الآخر فليس هناك من ضمانات بأن إسرائيل لن تستخدم السلاح القذر الذي تمتلكه ترسانتها في إطار نواياها العدوانية التي تستعد لها، خصوصاً أن نتنياهو بات يدرك أن أصوات اليهود، داخل إسرائيل وخارجها، بدأت ترتفع بضرورة وضع حد للصراع مع العرب بأسلوب يلتقي تماماً مع شعار «الحل النهائي» الذي رفعه هتلر ضد اليهود لتبرير محرقته لهم خلال الحرب العالمية الثانية.

أما المزاعم الإسرائيلية بوصول السلاح القذر إلى ترسانة «حزب الله»، وبصرف النظر عن صدقيتها، فإن الهدف من ورائه وضع الحزب على خارطة الأهداف العسكرية عندما تبدأ ساعة الصفر في تل أبيب، لكن هل زعم إسرائيل حقيقة أم أسطورة مبالغ بها تستهدف خلق مبررات استخدام سلاحها القذر ضد قواعد الحزب داخل لبنان؟

في حوار غير قابل للنشر جرى أخيراً بين مسؤول الصف الثاني في «حزب الله» وحليف استراتيجي له قال المسؤول الحزبي ما معناه: «إذا أرادت إسرائيل، من خلال مزاعمها بامتلاكنا سلاحاً استراتيجياً من أي نوع كان التخويف، فإنها لن تخوف إلا مواطنيها. ونحن نشجع على ذلك. ولا أخفي أنها جزء أساسي من استراتيجيتنا وقد فعلت فعلها في الجسم الإسرائيلي، أما الزعم بأن الحزب يملك صواريخ تحتوي على رؤوس جرثومية وكيماوية «مستوردة» من سورية وإيران، أو مشتراة من السوق السوداء فهو الكذب بعينه، وهو يدل على جهل مطلق في الصناعات الكيماوية والجرثومية. إن أصغر مختبر طبي في لبنان بالإمكان تحويله إلى مصنع جرثومي أو كيماوي في غضون أسبوع واحد على الأكثر وبنفقات لا تذكر، إن الأهم في هذا الموضوع هو الحصول على وسيلة توصيل هذا النوع القذر وغير الإنساني إلى أهدافه بواسطة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وهذا النوع من الصواريخ تحدثنا عنه كثيراً حيث ذكر الأمين العام السيد حسن نصرالله، في أكثر من مناسبة، عن امتلاكنا أكثر من 40 ألف صاروخ. إن موضوع استخدامنا لهذا السلاح الاستراتيجي لا يرتبط بما يمكن أن يجري في ساحة المعركة، إنما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأخلاق وبالإحساس الإنساني. والحزب قائم على الأخلاق وعلى الإنسانية. كذلك يرتبط في الحالة الدفاعية، فإذا بادرت إسرائيل إلى استخدام سلاح غير أخلاقي وغير إنساني فإن واجبنا أن نرد الصاع صاعين».

وبعيداً عن سورية و«حزب الله» فإن الترسانات العربية مليئة بالبديل القذر للسلاح النووي من الأردن إلى مصر إلى بعض دول الخليج. والحصول على هذا البديل– كما قال مسؤول الحزب– لم يعد مرتبطاً بشرائها من الخارج، بل أصبحت «صناعة» محلية بامتياز واستخدامها يتوقف على المبادرات العسكرية الإسرائيلية.

إن الخبراء الدوليين متفقون على اعتبار أن الجغرافيا هي العقبة الوحيدة أمام استخدام إسرائيل لسلاحها النووي نتيجة لقرب المسافة والمساحة من جيرانها العرب، وإن ضرب سورية أو لبنان أو الأردن أو مصر بقنبلة نووية تكتيكية أو استراتيجية، صغيرة كانت أم كبيرة، لن يمنع إشعاعاتها القاتلة من التسرب إلى الأماكن الإسرائيلية المأهولة، وهذا يعني وجود حالة تلغي السلاح النووي الإسرائيلي كقوة ردع في ساحة المعركة، وتبقيه سلاحاً للمفاوضة لا أكثر... للتهديد وليس للاستخدام، بينما الصواريخ الحاملة لرؤوس جرثومية أو كيماوية لا تشكل الخطر الذي تمثله القنابل النووية، لأن مجال انتشارها محدود، ومن الممكن أخذ الاحتياطات العلمية للتخفيف من ضررها. وانطلاقاً من هذا الواقع المعروف لدى الجميع، فقد تردد أن إسرائيل وضعت احتمال استخدام قنابلها النووية في المرتبة الثانية، ولذلك أوقفت إنتاجها منذ حوالي عشر سنوات، وقد ورد ذلك على إحدى شبكات الإنترنت الإسرائيلية، غير أن الترسانة الإسرائيلية مليئة إلى درجة التخمة بهذا النوع من «القنابل القذرة»، وربما بكميات ونوعيات أكثر حداثة وفتكاً من التي يملكها جيرانها مما يجعل استخدامها العملي من الطرفين أمراً في غاية الصعوبة، تماماً مثل صعوبة استخدام إسرائيل لترسانتها النووية. لكن الإشارة اليها أخيراً لا يخرج عن إطار الاستخدام السياسي على طاولة المفاوضات وليس في ساحات المعركة، خصوصاً في المتغيرات الدولية الجديدة حيث بات من الصعب على الولايات المتحدة أن تغطي إسرائيل في حال مبادرتها إلى استخدام هذا النوع القذر من السلاح.

ويقال إن وزيرة الخارجية كلنتون كانت واضحة في حديثها مع الإسرائيليين في هذا المجال، حيث حاولت رسم الحدود لمدى الصراع العسكري مع العرب، في حال تجدده، بشكل لا يخرج عن إطار الحروب الصغيرة غير المدمرة بصورة كلية للطرفين العربي والإسرائيلي.

الخلاصة أن السلاح النووي الإسرائيلي قد وُضع على الرف، وحلّ مكانه السلاح الكيماوي والجرثومي الذي يمتلكه الفريقان أو الفرقاء، وإن احتمال استخدام هذا النوع القذر في حرب قادمة ضعيف جداً، فبينما يمكن المراهنة– ولأول مرة– على حكمة العرب، ومن المستحيل المراهنة على إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو، وفي ظل الأجواء المجنونة التي يعيشها الإسرائيليون خوفاً ورعباً على المصير وعلى الوجود.

إن العرب في قمتهم القادمة في الدوحة أمام فرصة سلام قد لا تتكرر، فالمطلوب، في هذا الظرف الدقيق، وأمام المعطيات السياسية الجديدة، أن يكونوا براغماتيين، لأن المستقبل لهم وليس لإسرائيل، وأن يساعدوا سياسة أوباما الخارجية الجديدة على «ترويض الوحش» الذي يعيش في داخل كل إسرائيلي ويهودي، وبذلك تتفادى المنطقة، ولو إلى حين، ويلات حرب كيماوية وجرثومية لن تُبقي ولن تَذر.

* كاتب لبناني

back to top