مبارك - نصر الله... والغول والعنقاء
تكرار المسؤولين المصريين أن الأمر المتعلق بـ«حزب الله» جنائي ولا علاقة له بالسياسة هو تكرار من باب «يكاد المريب أن يقول خذوني» مما يؤكد ضمنا أن الأمر سياسي وسياسي جدا.
العلاقة بين الكاتب والقارئ تفاعلية، فالكاتب يريد معرفة رأي القارئ في ما يكتبه وما يقبله وما لا يقبله ولماذا؟ ومن حق القارئ أن يخبر الكاتب بل يطالبه بتبني موقف ما قد يراه صحيحا، لذلك أعتز كثيرا بما يصلني من آراء سواء كانت مع فكرة المقال أو لا، سواء وافقت أم أنكرت رأيي وأحيانا كثيرة أصطدم بآراء وردود أفعال للقراء تفاجئني، ومواقف تحيرني، وعلى سبيل المثال فقد كان للمقال الأخير (مبارك-نصر الله حقائق وأوهام) نسبة تعليقات تفوق باقي المقالات مما كنت أراها أجدر بالمناقشة وأحق بالتعليق، وقد يعود ذلك للصخب الإعلامي المصاحب للقضية، فضلا عما يمثله طرفا الخلاف من قيمة ومكانة لدى القراء.وهناك ملاحظة أخرى أن معظم التعليقات قد جاءت على البريد الإلكتروني الخاص بي وليس على موقع «الجريدة» مما يعني أن البعض مازال يتخوف من الرقابة ويخشى عدم النشر، وأهم الملاحظات أن جميع التعليقات إما مع وإما ضد للدرجة التي يبدو فيها أن من قرأ قد قرأ نصف المقال، فالبعض يراني متعاطفا مع «حزب الله» رافضا الاتهامات المصرية، والبعض الآخر يجدني متهما «حزب الله» مؤيدا البيان المصري مما دفعني للتصديق أن الحيادية في الكتابة والتعليق على الأحداث أصبحت من المستحيلات، وأن الوقوف محايداً بين مبارك ونصر الله أشبه بالبحث عن الغول والعنقاء... فلماذا يا سادة؟ لماذا لا ننظر إلى الموضوع بتجرد من أي هوى؟ ولماذا يجب أن نكون مع أشخاص أو ضدهم ولا نكون مع الحقيقة وضد الكذب والغش والخداع. ولنحاول إتمام ما ذكرناه من حقائق في المقال السابق ببعض الملاحظات: خطأ «حزب الله» وجريمته ثابتة في حق مصر من خلال محاولة تهريب السلاح ولكن محاولة الإيحاء– وهنا خطأ الموقف المصري- أن «حزب الله» يسعى إلى حملة اغتيالات وعمليات إرهابية داخل الأراضي المصرية بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، فهذا أمر مشكوك فيه إلى درجة اليقين ويكون السؤال- للحيادية- لماذا تحاول مصر ذلك؟ وما دافعها وراء اتهام «حزب الله»؟ ويسبق ذلك سؤال آخر لماذا تأخر الإعلان عن القضية إلى الآن؟ رغم أن القبض على المتهمين تم قبل 4 شهور؟ قد يرى البعض أن ذلك يرجع ضمانا لسرية التحقيق. وهذا صحيح ولكن لا يخفى على أحد أهمية التوقيت وأهدافه السياسية وأولها الانتخابات اللبنانية، فإثارة القضية الآن إما أن تؤثر على موقف «حزب الله» في الانتخابات (وهذا ما تتمناه السعودية ومصر وأميركا) وإما أن انشغاله بها سيمنعه من الرد الإعلامي المناسب على الحملات الإعلامية المصرية المكثفة، فيبدو كما لو أنه لا يجد ما يقوله مما يثبت الاتهام ضده.والسبب الثاني هو محاولة حشد الموقف الدولي ضد إيران باعتبارها الحليف الأول لـ«حزب الله» وتقديم هدية (عربون محبة) للرئيس الأميركي أوباما قبل زيارة الرئيس المصري إلى أميركا تماما كما فعل سلفه الرئيس السادات حين ألغى معاهدة الصداقة المصرية السوفييتية في مارس 1976 قبل لقائه بجيرالد فورد.والسبب الثالث وهو الأهم هو محاولة إلهاء الشعب المصري عن قضايا الفساد الداخلي التي لا تنتهي، وكذلك ما يتم تدبيره بليل وسيتم الإعلان عنه في مؤتمر الحزب الوطني القادم في سبتمبر من قرارات لتثبيت التوريث وجعله واقعا راسخا وليس احتمالا راجحا.وتتبقى ملاحظة أخيرة، فتكرار المسؤولين المصريين أن الأمر جنائي ولا علاقة له بالسياسة هو تكرار من باب «يكاد المريب أن يقول خذوني» مما يؤكد ضمنا أن الأمر سياسي وسياسي جدا. وختاما فالحقيقة المؤكدة في كل ما يحدث أن الخلاف بين مصر و«حزب الله» هو خلاف منهج وفكر وليس خلاف سلوك وفعل.