«المشكلة هي أن لا أحد يخشانا اليوم، كما كان عليه الوضع في السابق» ذلك التصريح الذي قاله مارك هيللر من جامعة تل أبيب، والذي يكمل «ان الدولة التي تخشى منظمة كحماس ليس بإمكانها أن ترهب دولا كسورية ومصر والأردن وايران»، تصريح يعني أن الهجوم الذي تتعرض له غزة ليس لإبادة «حماس» وليس لاعادة السكينة الى الجنوب، وانما لاعادة ثقافة الخوف التي بدأت تتراجع بعد مواجهة اسرائيل الأخيرة مع حزب صغير في بلد صغير اسمه لبنان.
ثقافة الخوف التي تلبست السياسي والثقافي في الجانب العربي هي التي قادتنا الى ثقافة سلام انسحب على أثره الكثير من القوى الوطنية، سلام تضع شروطه اسرائيل وتحدد موعده واستحقاقاته. ثقافة الخوف اهتزت كثيرا أخيرا وتغيرت صورة الجيش الذي لا يقهر، انها ثقافة غير مبررة ليس لمن يريد الحرب ولكن لمن يريد أن يصنع السلام. المتابع للشأن الثقافي والسياسي العربي يلاحظ انحسار المد الوطني المقاوم وانطواءه تحت عباءة السلم الذي يشبه الاستسلام وامكانية العودة الي الوضع السابق تبدو أكثر صعوبة من البقاء رهن الوضع الحالي. وسواء شئنا أم أبينا رفض الشارع العربي سلامنا الوطني والقومي، وهو ما يفسر تعاطفه مع المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان بشقها الشيعي واكتساح حماس للانتخابات النيابية في فلسطين بشقها السني. المثقف والسياسي الفلسطيني وللأسف كان يضع تفاحه في الصندوق الفاسد دائما ويجد المتابع والمتعاطف معه صعوبة كبيرة في فهمه والايمان به. فمنذ عام 1990 تحديدا وبعد غزو العراق للكويت لم يستطع المثقف والسياسي الفلسطيني أن يبقي على صفته المقاومة للاحتلال، لقد سلك الطريق الوعر دون أن تؤهله ثقافته المقاومة وتاريخه النضالي في قراءة الأحداث. وما تلا ذلك منذ مدريد واوسلو وتخبطه بين الرفض والقبول لهو دليل آخر على سوء القراءة والتقدير. ذلك ما يجعله يفقد كل شيء ويجد نفسه ضحية نفسه متقاتلا على سلطة هشة وعلى أرضية تحتها من التجاويف والانهيارات أكثر من الرواسي الصلبة.مشكلة «حماس» أنها ضحلة سياسيا فقيرة ثقافيا وهي تراهن على ذات المعطيات التي خسر بها المقاوم الوطني المواجهة، وستكون اعادة ثقافة الخوف التي يتبناها المفكر الاسرائيلي سهلة البلوغ قليلة التكاليف. ولكن الأهم من كل ذلك هو كيف نعيد الأمور الي نصابها وما هو الدور الوطني والقومي الذي يمكن أن تلعبه الفعاليات الوطنية لاجتياز ثقافة الخوف الناتج الكبير من الهجوم على غزة. ما نجحت فيه حروب اسرائيل الأخيرة هو انكماش الرأي القومي لصالح القطري، فالمثقف المصري معني بطرد الشبهة عن تورط مصر في الحرب، والفلسطيني برفض العدوان وحماس في ذات الوقت وهكذا، أما عودة المشروع القومي الواحد والاستفادة من التغيرات الجذرية في العالم فلا ينتبه اليهما أحد. اليوم في الحوارات التلفزيونية أجد المثقف الغربي منصفا أكثر من المثقف العربي فهو لم يعد يرى أن الاسرائيلي ضحية وانما شخصية تحب أن تلعب دور الضحية. أرى وقفة ثقافية جادة في وجه المحتل الاسرائيلي ومطالبته باعادة الحق الى أهله. ولا أرى أن أهله مؤهلون لاستلام حقوقهم. على المثقف العربي أن يجتمع قبل السياسي وأن ينظم صفوفه مرة أخرى. أشعر بالخجل أحيانا وأنا أستمع الى مثقف ودكتور ورئيس هيئة شعبية لا يتحدث أفضل من رجل اتصل من الشارع بالبرنامج الحواري. نحن بحاجة على الأقل الى مركز عربي للحوار يضم مثقفينا ويؤهلهم لقيادة الشارع بدل أن يقودهم الشارع.
توابل - مزاج
إعادة ثقافة الخوف
04-01-2009