لا توجد أدنى مشكلة في التهديد باستجواب أي وزير، وحتى رئيس الوزراء نفسه، فهذه ممارسة برلمانية صحيحة مكفولة دستوريا، ولكن شريطة أن يبنى على معايير موضوعية وينطلق من أسباب مقنعة!!

Ad

منذ أشهر كتبت مقالا دافعت فيه عن النائب أحمد المليفي على بيان أصدره آنذاك ينتقد فيه أداء الحكومة وأداء رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بالذات، ووصل به إلى حد التمني على سمو الأمير أن يعين رئيس وزراء جديداً، وقلت ما معناه إن من حق النائب المليفي أن ينتقد أداء رئيس الوزراء وحكومته، ومن حقه أن يصل إلى الاقتناع بأنه لا يصلح لهذه المهمة.

ومازلت حتى اللحظة أكرر بأن من حق الجميع أن يوجهوا النقد لأداء الحكومة وإلى الوزراء واحدا واحدا وصولا إلى انتقاد رئيس مجلس الوزراء بنفسه، فلا أحد من أعضاء الحكومة في عصمة عن النقد، أو في منأى من أن تكون أعماله وأداؤه محلا للنقاش والأخذ والرد في الوسائل الإعلامية، ولا أشك لحظة بأن الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء لا يؤمن بهذا.

ولكن من يتابع أسلوب الخطاب الإعلامي المنتشر هذه الأيام، سواء الصادر من بعض النواب أو متحدثي القوى السياسية أو الكتّاب الصحافيين، وطريقتهم المتبعة في توجيه النقد للحكومة ولرئيسها وللوزراء واختيارهم للألفاظ والعبارات والأفكار الحادة، سيرى وبكل وضوح كيف خرجت الأمور وبشدة عن كل قواعد الموضوعية بل حتى عن مبادئ اللياقة والأدب.

لا شك بأنها فكرة مغرية لأي نائب أن يشاهده جمهوره وهو يستعرض عضلاته فيوجه الانتقاد الشديد لأحد الوزراء أو أن يهدده بالاستجواب، خصوصا إذا كان شيخا، فما بالكم إذا كان الانتقاد والتهديد موجها إلى شخص رئيس الوزراء، حينها سيكون المشهد والبطولة أكثر إثارة وجاذبية وشكل العضلات أضخم وأكثر انتفاخا!

لا توجد أدنى مشكلة في التهديد باستجواب أي وزير، وحتى رئيس الوزراء نفسه، فهذه ممارسة برلمانية صحيحة مكفولة دستوريا، ولكن شريطة أن يبنى على معايير موضوعية وينطلق من أسباب مقنعة، لا أن يأتي من باب الاستعراض والبطولة الفارغة.

هذا الخطاب النقدي المسعور والذي لا يكاد يمر يوم إلا ونقرؤه أو نسمعه، والذي قد يظنه البعض بطولة أو خطاب معارضة، ليس في حقيقة الأمر سوى دليل آخر على مدى التردي السياسي الذي صرنا إليه، بل هو من الأسباب التي أشاعت نفسية الإحباط واليأس عند الناس بدلا من أن تساهم في إشعارهم بأن هناك رقابة شعبية فاعلة لأداء الحكومة.

احترام الآخرين، كائنا من كانوا، هي فضيلة دينية بل فضيلة إنسانية عامة، فما بالك حين يكون من يوجه إليهم الانتقاد هم أعضاء الحكومة الذين ننظر إليهم من منطلق أنهم من يتولون زمام أمور البلاد، ونتمنى لهم النجاح في مسعاهم؟! كما أن غاية النقد، كما أفهمه، هو الإصلاح والرغبة بالنجاح لمن هو محل الانتقاد، فكيف يمكن لخطاب منحدر مليء بالإسفاف والتطاول أن يوصلنا إلى ذلك.

لا أظن أن من ينتقدون بهذه الطريقة الفجة ينشدون الخير فعلا، خصوصا أن نقدهم صار غارقا في الشخصانية واستهداف الأسماء، لا نقد وتقويم الأداء، لذا فإن هؤلاء الناقدين هم الأجدر بالانتقاد، وعلينا أن نقول لهم جميعا: صمتاً يا سادة!