بداية، وقبل الخوض في تفاصيل هذا المقال، أؤكد أن ما يحدث في غزة من قتل عشوائي واستخدام مفرط للقوة بوجه المدنيين العزل من قبل قوات العدوان الإسرائيلي، أمر مرفوض إنسانيا.

Ad

لكن بالمقابل، يجب توضيح أن مسؤولية الحرب التي يتعرض لها المدنيون العزل في غزة، لا تتحملها تل أبيب منفردة، بل تشاركها المسؤولية حركة «حماس»، التي صعَّدت من عملياتها ضد المستوطنات الإسرائيلية، بتزامن مع زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية للقاهرة نهاية الشهر الماضي، الأمر الذي أدى إلى بدء الجيش الإسرائيلي علمياته ضد قطاع غزة، ليحصد حتى أمس أرواح أكثر من 500 شخص معظمهم مدنيون وأطفال.

الشاهد، «حماس» هي الوجه الفلسطيني لتنظيم الإخوان المسلمين، وعليه فإن أي تصريح أو تحرك يبدر منها، يجب التعاطي معه على أنه يتفق مع أجندة التنظيم العامة، لذا فإن ما يحدث اليوم من استغلال البعد الإنساني في حالة غزة، يستهدف في النهاية منح شرعية لانقلاب «حماس» على القيادة الفلسطينية، لتنتهي القضية على ضغط لسيطرة على معبر رفح الذي يربط غزة بجمهورية مصر العربية، وهو ما سيعزز من نفوذ «حماس» ويقوي وضع التنظيم الأم في مواجهته الكبرى مع الحزب الوطني الحاكم في مصر، في وجه آخر لهذه الحرب.

أعود إلى الكويت، وبعيدا عن تجيير العمل الإنساني لمصلحة السياسة، وكذلك استغلال التيار الديني للوضع الإنساني في تعزيز وجوده، أستغرب أن يتم ربط ما يحدث في غزة بمنع الاحتفالات في الكويت، فنحن منذ عشر سنوات نحتفل بشهر فبراير بمهرجان تسويقي، تتخلله حفلات غنائية، لينتهي مع احتفالات الدولة بعيدي الاستقلال والتحرير.

مهرجان «هلا فبراير» كان محل متابعة دقيقة من التيار الديني ونوابه في البرلمان، فمن مطالبات بإلغائه في بداياته لوجود أسرى كويتيين مرتهنين لدى النظام العراقي، ثم بداعي التوترات السياسية والأمنية بالمنطقة، في سنواته الوسطى، وقبل أكثر من عام تأجل موعد المهرجان لتزامنه مع شهر محرم وصفر، لإقامة المجالس الحسينية، ورغم أن المناسبة شيعية بحتة، فإن التأجيل لاقى ترحيبا سلفيا، في مفارقة غريبة، ولن أنسى طبعا تصريح النائب وليد الطبطبائي الذي ربط فيه بين هبوب عاصفة غبار على الكويت والمعاصي التي يتخللها مهرجان «هلا فبراير»، أما الآن وبعد هذه المحاولات جميعها لإلغاء المهرجان، وجد التيار الديني شماعته الجديدة هذا العام بما يحدث في غزة، في مزايدة لا تقل رخصا عما سبق، والهدف طبعا إلغاء المهرجان واغتيال الفرحة.

قرار إقامة الحفلات الغنائية من عدمه، أمر تجاري بحت، يخضع لحسبة السوق، ومعادلة العرض والطلب، كما أن التعاطف مع مأساة غزة أمر شخصي وإنساني، وكلا الأمرين لا يلتقيان إلا في مزايدة رخيصة، فمنع الحفلات في الكويت لن يحسِّن من الوضع في غزة، بقدر ما يعزز من نفوذ التيار الديني تماما مثلما الحال مع السيطرة على معبر رفح.

أنا مؤمن بأن الحكومة التي رضخت للصراخ النيابي في ملفي «المصفاة الرابعة» والـ«داو كيميكال»، وتراجعت عن المشروعين رغم اطمئنانها لسلامة الإجراءات وحاجتها للمشروعين، لن تتوانى عن منع الاحتفالات في فبراير، وهي التي أصدرت تراخيصها بإقامتها الأسبوع الماضي، وربما تزيد من نفسها وتلغي الاحتفالات الرسمية بعيدي الاستقلال والتحرير انصياعا لرغبة النواب الإسلاميين، شريطة أن يرفعوا من حدة أصوتهم، لأننا في دولة يدير أمورها من يصرخ أكثر، سواء كان الصراخ «شعبياً» أو «إسلامياً»، لأن من يصرخ كثيرا، يحصل في النهاية على مبتغاه.