هنالك واقع حرج وخطر لا يمكن أن نتعامل معه بالأدوات والعقليات التقليدية، وهنالك متغيرات كثيرة لابد أن نأخذها في الحسبان، إن أردنا الوصول إلى حل عملي وعلاج ناجع، فالتركيز على الضغوط الاقتصادية مهم، ولكنه قاصر، ولابد من تحليل أعمق لأسباب النمط المتكرر في طبيعة مجلس الأمة، وفي أداء الحكومة لنضمن خروجنا من هذه الدوامة.
منذ الغزو إلى اليوم تغيرت تركيبة المجتمع الكويتي وعقلية المواطن وتوقعاته وكذلك تركيبة وعقلية الأسرة الحاكمة، ولم يتوافق ذلك مع تغيير في عقلية الإدارة الحكومية ولا خطاب القوى السياسية الناشطة في الساحة، وعدم التوافق هذا هو الداء الرئيسي. تجربة الغزو المريرة والتعامل الحكومي المتخلف معها خلقا مفهوم «الدولة المؤقتة» التي للأسف شكلت عقلية المواطن والتاجر والحاكم، فأصبح التنافس على الحصول على أكبر حصة من «الكيكة» بديلاً عن التنمية والتطوير والتخطيط الاستراتيجي، وبذلك زادت طبقة «الحرامية»، وانتشر الفساد، وأصبحت السرقة حقاً مكتسباً للكل بعد أن كانت مقتصرة على فئة معينة.التركيبة الديموغرافية للvمجتمع تغيرت أيضاً، فاتسعت فئة الشباب مما أثر على العرض في سوق العمل واستخدام المرافق العامة وخدمات الدولة. وأيضا تقلصت الطبقة الوسطى- صمام أمان المجتمعات- لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، مما فتح المجال للتطرف والتقوقع الفكري والطائفي والقبلي على مصراعيه، وازدادت في المقابل نسب ما كانت تشكله الأقليات في السابق (كالشيعة والقبليين) لتشكل الأغلبية دون أن تتأقلم الأغلبية القديمة على هذا الوضع في عقليتها وتوقعاتها. الأسرة الحاكمة جزء من هذا التغيير، فقد اتسعت حجماً وتغيرت ديموغرافيا وتعيش حالة الازدواجية المريرة بين متطلبات الواقع وإغراءات «الملكية» ورئاسة القبيلة، ولعل الصراع العلني على المصالح والاستراتيجيات خير دليل على ذلك. والحل الوحيد هو تشكيل عقلية جديدة قائمة على مفهوم «المواطنة» ومحددة بالدستور والحقوق العالمية للإنسان، ومبنية على الأرقام والإحصاءات والدراسات العلمية لا «خبرة الماضي» وحدس القائد، وذلك يتطلب تغيير الأشخاص القائمين على اتخاذ القرارات وتبديل النظم وتعديل العمليات التي تدار بها البلد. بداية على أعضاء المجلس المنحل كافة الامتناع عن خوض الانتخابات القادمة ولربما التقاعد من العمل السياسي نهائياً خصوصاً المخضرمين منهم، فهم شركاء في الفشل والتخبط الذي عشناه خلال الفترة الماضية بسبب فشلهم الذريع في قراءة الواقع ومشاركتهم في تضليل وتشويه توقعات المواطن البسيط،وعلى الحكومة الحالية أن تستغل هذين الشهرين في وضع الأسس السليمة للتعامل مع المجلس القادم لتلافي أخطاء الماضي، لذا عليها ملاحقة المتورطين في «الفرعيات» و«شراء الأصوات» لتكون رادعاً لمن يخططون حاليا لانتخاباتهم، كما عليها الكشف عن مزدوجي الجنسية وبالذات مَن كان منهم نائباً أو زيراً أو ناشطاً سياسياً لتعزيز مفهوم المواطنة واستعادة بعض هيبة القانون. كما عليها ملاحقة الأحزاب السياسية الدينية والعرقية والحد من نشاطاتها لتناقض رسالاتها وبرامجها مع دستور الدولة ومفهوم المواطنة القويم، كما عليها تنبي برامج توعوية مكثفة لإعطاء الناخب الأدوات السليمة لتقييم المرشحين واتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الوطن لا في المصالح السياسية أو المالية الضيقة للبعض.وللحديث بقية...
مقالات
حتى نخرج من الدوامة (1)
21-03-2009