الحلقة
الأولى (1-2)• أدار الحلقة النقاشية: الدكتور غانم النجار
وشارك فيها من الجريدة:
- عصام الدسوقي
- عادل سامي
• تصوير: جهاد صالح
لا تخلو ساحة نقاشية سياسية كانت أو اجتماعية في الكثير من الفعاليات السياسية- الرسمية وغير الرسمية- على مستوى العالم من التطرق إلى «منطقة الشرق الأوسط» وقضاياه المعقدة. وهي منطقة تبدو، كعادتها دوماً، إما الحاضر الغائب، وإما الحاضر الأكثر حضوراً وإثارة للقلق بين المشاركين. ولم تختلف الحلقة النقاشية التي أعدتها «الجريدة» قبل أيام، واستقبلت فيها عدداً من الباحثين المختصين في شؤون الشرق الأوسط من مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، حيث تركزت النقاشات والقضايا فيها على الشرق الأوسط، ولكن من منظور الديمقراطية والحركات الإسلامية، وهما النقطتان الجوهريتان اللتان دار حولهما النقاش الذي شاركت فيه الدكتورة مارينا أوتاوي والدكتور بول سالم والدكتور عمرو حمزاوي، وأدار الحلقة النقاشية الدكتور غانم النجار كبير باحثين في «كارنيغي» ومستشار التحرير في «الجريدة».ورغم أن العنوانين الرئيسين في الحلقة النقاشية كانا الديمقراطية والتحولات القادمة في الشرق الأوسط، فإن الباحثين لم يتركوا كبيرة أو صغيرة إلا وتطرقوا إليها... فالمنطقة وقضاياها المختلفة تعيش «حالة اشتباك» معقدة يتقاطع فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وجميعها يصب في خلق بيئة عامة يرى الباحثون المشاركون في الحلقة النقاشية أنها مثيرة للقلق وربما الانزعاج الشديد حيال التوقعات المستقبلية ليس على المدى البعيد فحسب، بل على الأمد القصير أيضاً.وتنقل الباحثون في الجزء الأول من نقاشهم من قضية إلى أخرى سعياً وراء رصد المستجدات والتطورات على صعيد الديمقراطية وجهود التشجيع عليها؛ والانسحاب الملحوظ لها كقضية على أجندة إدارة بوش التي تعيش شهورها الأخيرة، انتقالًا إلى إيران والقلق المحيط ببرنامجها النووي. غير أن العوامل المحلية في المجتمعات العربية حظيت بنصيب كبير من التركيز من الباحثين المشاركين في الحلقة النقاشية، وهو ما دعاهم إلى إطلاق العديد من التحذيرات بأن أوضاع بعض المجتمعات العربية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا تزيد من احتمالات حدوث أزمات ومواجهات، بل ثورات أيضاً من وجهة نظر بعضهم. وبينما استمر الحديث عن العناصر المحلية في العملية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، برزت الحالة المهترئة التي تعيشها تيارات وحركات المعارضة في المجتمعات العربية في ظل عودة كثير من الأنظمة العربية إلى استخدام قبضتها الخانقة المعززة بالتدابير والأجهزة الأمنية اللاهثة وراء ملاحقةحركات المعارضة (الإسلامية وغير الإسلامية)، وفعاليات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية. ويعزو باحثو «كارنيغي» عودة القبضة الأمنية للأنظمة، إلى ما وصفوه بحالة الاسترخاء والاطمئنان حيال المجتمع الدولي وبأن ضغوطه من أجل تشجيع الديمقراطية تبخرت إلى غير رجعة، ولاسيما بعد أن تخلت إدارة بوش عن أولوية الديمقراطية، بعدما حلت إيران في صدارة الأولويات من أجل بناء تحالف دولي يواجه طموحات إيران النووية ودورها الإقليمي المتصاعد.ولفت الباحثون إلى أن أهم المستجدات التي شهدتها المنطقة في الأعوام القليلة الأخيرة، تتجسد في تراجع الحركات الإسلامية في الساحة السياسية وتقلص حضورها وجاذبيتها في عيون شعوب المنطقة، وذلك بعد أن عاشت منذ ثمانينيات القرن الماضي حقبتها الذهبية التي ظلت خلالها تعتلي مقاعد الرابحين، حسبما أشار أحد الباحثين المشاركين. وواصلت الحلقة النقاشية مسيرتها بين قضايا منطقة الشرق الأوسط الشائكة، وهو ما تعرضه «الجريدة»على جزأين ... وإليكم الجزء الأول منها: استهلت «الجريدة» حلقتها النقاشية مع باحثي مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي بتعيين نقطتي بحث رئيستين؛ وهما صعود وهبوط التيارات الإسلامية، ومستقبل التحولات الديمقراطية في المنطقة العربية. وفي أول الأمر ركز الدكتور غانم النجار، الذي أدار النقاش، على قضية الديمقراطية وتشجيعها مستفسراً: إلى أي مدى بلغت قضية الديمقراطية في عالمنا العربي في الوقت الراهن؟ وما هو موقعنا وموقع الولايات المتحدة منها؟ وماهي التوقعات؟ وهل نرى أملاً في ما يحدث على صعيد الحركات الديمقراطية بالمنطقة؟ وهل ما نشهده حاليا هو انسحار أم اتساع للمسألة الديمقراطية برمتها في البلدان العربية والعالم بأسره؟
• مارينا أوتاوي:
دعونا نبدأ أولاً باستعراض موقف الولايات المتحدة وسياستها حيال الديموقراطية... وأعتقد أن المتابع للسياسة الأميركية في هذا الإطار سيرى انحساراً ملحوظا في جهود إدارة بوش لتشجيع الديمقراطية التي لم تعد تعتلي قمة الأجندة الأميركية، ولا أتوقع أن يتغير هذا الأمر كثيراً في الأشهر المقبلة، ولن يطرأ تحول حقيقي عليها في ظل استمرار الأوضاع نفسها وطالما أن الإدارة الحالية مازالت في السلطة. لذا دعونا ننتظر ماذا سيحدث مع قدوم إدارة أميركية جديدة تتولي زمام الأمور في البيت الأبيض؟
ويمكننا تلخيص المشهد الراهن في أن سياسة إدارة بوش حيال الديمقراطية في الأشهر الأخيرة تسير فق سياسة «البطة العرجاء»، فقد بات جلياً أن الإدارة الأميركية لن تقدم على إجراء أي تغييرات جوهرية في سياستها حيال تشجيع الديمقراطية. ورغم تعمد إدارة بوش ترديد تعهداتها بمواصلة العمل على تشجيع الديمقراطية في العالم، لكن واقع الحال يؤكد أن اهتمامها الحقيقي لا ينصب في الوقت الراهن على الديمقراطية وقضاياها، بل يتركز بصفة رئيسية على قضية أخرى ذات أبعاد أمنية ليس لها شأن بالديمقراطية. وما نعنيه بالقضية الأمنية هنا، هو أن واشنطن منغمسة حتى النخاع في مهماتها من أجل «بناء تحالفات» ضد إيران والإرهاب بصفة عامة، وتلك هي القضية المحورية التي تشغل بال الإدارة الأميركية الحالية، في رمقها الأخير، وليس الديمقراطية.
• «الجريدة»:
لكنك هنا لم تفرقي بين إيران والإرهاب! فمحاربة الإرهاب سياسة ذات منظور بعيد الأجل إلى حد كبير تختلف في أبعادها ومضمونها عن مسألة إيران...
• مارينا أوتاوي:
فعلاً... واشنطن تركز على قضيتين أمنيتين؛ إحداهما، محاربة منظمات الإرهاب، والأخرى تتعلق بإيران. ولو نظرنا إلى سياسة أميركا في الحرب ضد الإرهاب من زاوية علاقاتها مع المنطقة، سنرى أنها تتمتع بصلابة وصيغت بصورة واضحة وجيدة. فقد أسست شبكات اتصالات فعالة بين أجهزة الاستخبارات الأميركية ومثيلاتها في دول أخرى لتعزيز التعاون في هذا المضمار، وهو نظام بدأ يؤتي ثماره ويحقق نجاحات طيبة للغاية.
وهنا نستطيع القول، بمنتهى الصدق، إن هناك مساراً محدداً وجلياً تتبناه الولايات المتحدة في سياستها لمحاربة الإرهاب. لكنها على الجانب الآخر تفتقر إلى سياسة فعالة في تعاطيها مع قضية إيران. فالإدارة الأميركية تكثف جهودها على محاولة بناء تحالف ضد إيران، وهو أمر يلقى مقاومة كبيرة بين دول المنطقة الرافضة للانضمام إلى «المباراة الأميركية» الرامية إلى مواجهة إيران.
حالة جامدة وأنظمة غاضبة
• د. عمرو حمزاوي:
يمكننا الانتقال إلى د. بول سالم ليعطينا وجهة نظره فيما يتعلق بقضية التحولات الديمقراطية والحركات الإسلامية في المنطقة والعالم...
• بول سالم:
من الأفضل لنا إلقاء الضوء على السنوات القليلة الأخيرة، ليس على صعيد سياسة الولايات المتحدة حيال الديمقراطية، وهي الجزئية التي ركزت عليها مارينا في نقاشها، بل يتعين علينا استعراض الأوضاع بالنسبة للمنطقة بأسرها. ولاشك أننا سنلحظ أن هناك زخماً في التحول الديمقراطي طرأ على منطقة الشرق الأوسط؛ الكويت خلال الفترة 2005 و2006؛ وفي لبنان؛ وحركة «كفاية» في مصر؛ والانتخابات في المناطق الفلسطينية. وبصورة موازية شهدت تلك السنوات توقعات بحدوث ضغوط دولية ربما تسهم في حدوث تحولات ديمقراطية أخرى داخل المنطقة.
وتسببت الضغوط الدولية الرامية إلى تشجيع التحول الديمقراطي في المنطقة العربية في إثارة ردات أفعال قلقة في بعض الدول العربية، منها سورية ومصر وحتى السعودية، ولاسيما بعد التحولات الديمقراطية والسياسية التي حدثت في العراق. واستشاطت تلك الدول غضباً خلال هذه الفترة. بيد أن الشعور بالغضب بين بلدان المنطقة أخذ يتبدد شيئاً فشيئاً، بل اختفى تماماً في الوقت الراهن، وأصبحت دول وحكومات المنطقة أكثر اطمئناناً ودراية بأن البيئة الدولية لن تمارس ضغوطها من أجل «دمقرطة» أنظمتها. كما أعتقد أنها غدت أكثر ارتياحاً بعدما تعلمت كيفية إدارة قدر محدود من الانفتاح الديمقراطي عبر السماح بإقامة انتخابات، وإتاحة حرية صحافة أفضل نسبياً، بينما تقوم في الوقت نفسه بتشديد سيطرتها على إفرازات العملية الديمقراطية، أو على الأقل الحصول على نتائج لا تؤثر في سياساتها.
لهذا من الصعب أن نتوقع حدوث تحولات مهمة داخل المنطقة على صعيد التحول الديمقراطي في العام الحالي 2008، في ظل مجموعة من الحقائق هي؛
- المنطقة تعيش حالة «ستاتيكية» (جامدة)، بكل المقاييس، تبقى فيها الدولة قوية ومستقرة ومهيمنة على العملية السياسية.
- هناك قطاعات وفعاليات اقتصادية داخل بعض الدول تواصل جنيها مزيداً من الأموال والموارد من مصادر مختلفة.
- وجود شبكات أمنية واستخباراتية قوية للغاية وأصبحت أكثر نفوذا وقوة بسبب انخراطها في المزيد من التعاون والمشاركة في الحرب ضد الإرهاب.
- غياب الأفق المستقبلي المتاح أمام التيارات والحركات المعارضة في المنطقة العربية، ولاسيما في ضوء الحقيقة التي أشار إليها د. عمرو حمزاوي، بأن المعارضة الإسلامية هي الأقوى في المنطقة، لكنها لا تلقى تشجيعاً من الغرب، فضلاً عن تخوف «النخب» داخل الدول نفسها ورفضها لفكرة تحقيق التيارات الإسلامية مكاسب في الداخل، وهو ما لاحظناه في تجربة فوز «حماس» داخل الأراضي الفلسطينية و«الإخوان المسلمين» في مصر.
لذا فإن الجمود الصارخ الذي تشهده المنطقة يعكس شيوع مفهوم القبول بـ«الأمر الواقع» الذي يتوقع له أن يظل السمة الغالبة للمشهد السياسي داخل المنطقة لأعوام عديدة مقبلة.
القبضة الخانقة
• وتتدخل مارينا هنا معلقة بقولها:
فيما يتعليق بالفكرة المطروحة بأن الحكومات شرعت في تعلم كيفية التعاطي مع العملية الديمقراطية بما يخدم مصالحها، والسماح بإقامة انتخابات وإتاحة المزيد من الحريات، والمشاركة في الحكم وتقاسم السلطة، أود الإشارة إلى أن ما يحدث في العالم العربي ليس مستغرباً، فهو أمر سبق حدوثه بصورة مماثلة في العديد من مناطق أخرى في وسط آسيا، وفي كثير من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وعديد من دول أميركا اللاتينية.
بالطبع هناك بعض الأوضاع التي تخص العالم العربي في حد ذاته، إلا أنها تحاكي، بصفة عامة، ما حدث في حالات وبقاع عدة من العالم وتشترك معها في الكثير من الملامح. ليس هذا وضعاً خاصاً يقتصر حدوثه على العالم العربي، بل هو مؤثرات سبق أن رأيناها على نطاق واسع في مناطق أخرى من العالم.
• «الجريدة»:
تلك أمثلة على أوضاع مماثلة مرت بها دول أخرى ومناطق أخرى في العالم.
• مارينا تستدرك:
بالطبع نعم... لأن حكومات هذه الدول تسعى جاهدة إلى استخدام الأدوات المتاحة كلها حتى تتمكن من إحكام سيطرتها على جماعات المعارضة.
• د. عمر حمزاوي:
دعوني أتطرق إلى مأزق تيارات المعارضة وأوضاعها في المنطقة العربية... أعتقد أن إحدى النتائج المهمة التي يتعين التوقف عندها في الوقت الراهن، أن الأنظمة العربية عادت مجدداً لتحكم قبضتها بشدة على العملية السياسية برمتها، وذلك بعدما مرت بفترة زمنية محدودة عرفت خلالها معاني عدم الاستقرار وشعرت بعدم الأمان وافتقارها القدرة على التعامل مع بيئات متوترة داخلياً، مثلما حدث في مصر والكويت وعدد من البلدان الأخرى في المنطقة.
وبصفة رئيسة فإن التحدي الأهم والرئيسي في العالم العربي الذي يواجه التيارات المعارضة الساعية إلى إيجاد موطىء قدم لها في الحياة السياسية، يتمثل في ما هو متاح أمامها من مناخ سياسي، هو محدود أصلاً وغير داعم للعملية السياسية والديمقراطية، لذا فإنها تعاني بصورة حقيقية تحت وطأة تلك الأوضاع والمناخات السياسية التي ربما تتيح لها المنافسة في الانتخابات، لكنها لا تضمن لها تحقيق نتائج حقيقية على أرض الواقع، كما أنها لا تؤمِّن أمامها فرصاً موثوقة لمشاركة سياسية حقيقية وذات مغزى، ومن ثم لا تستطيع الوثوق بقدرتها على تحقيق توسعات تدريجية مستقبلاً.
وبصفة عامة، حركات المعارضة العربية قد تشارك فعلياً في العملية السياسية، لكن مساحات الحركة وقدرتها على المنافسة والمناورة ظلت ضيقة ولم تشهد اتساعاً، في وقت تراجعت فيه حركات المعارضة الإسلامية، التي بدأت تخسر أرضيتها، وقد خسرت بالفعل في عمليات انتخابية معينة خلال العامين الماضيين. كما أن هناك تحديات مهمة أخرى مازالت قائمة أمام حركات المعارضة وتياراتها تتمثل في كيفية إدارة مشاركتها السياسية بصورة قانونية مشروعة في ظل بيئة غير مساندة ولا توفر أنماطاً مشجعة للمشاركة السياسية.
أما بالنسبة لحركات المعارضة الإسلامية، فالمشهد يبدو واضحاً على نحو يمكننا القول بمنتهى البساطة أن التيارات الدينية المتشددة الراكدة لم تعد قادرة على إحراز أي تقدم في الحياة السياسية داخل المنطقة، بل على العكس يمكننا التأكيد، وبالبساطة نفسها في ضوء النتائج التي حدثت في العامين الماضيين، أنها تعاني انحساراً، وبوسعنا أن نزيد على ذلك بالقول إنها تكبدت خسائر كبيرة في الآونة الأخيرة.
الجاذبية المفقودة
كباحثين ومتابعين للحياة السياسية في المنطقة العربية والعالم، اعتدنا النظر إلى الحركات الإسلامية باعتبارها منظمات قادرة على الاستمرار والتطور لسببين:
- أولاً: الاعتقاد بأنها كجماعات معارضة قادرة على تشكيل تنظيماتها بصورة مرتبة، ومراكمة رصيداً من الشعبية، وكسب الرأي العام، وقادرة على الإقناع، فضلاً عن الاعتقاد بأنها قادرة على ممارسة ضغوط متزايدة في مواجهة النظم الحاكمة في المنطقة
- ثانياً: إن الباحثين المعنيين بالديمقراطية والدوائر البحثية المهتمة بالمنطقة، كان يحدوهم الأمل بأن مشاركة مثل هذه الحركات، نظراً لأنها تولي اهتماماً كبيراً بالجوانب التنظيمية، من شأنها إصلاح أوضاع البرلمانات العربية وجعلها أكثر حراكاً وفعالية وحيوية، ومن ثم فإنها قادرة على تغيير ديناميات ومعادلات القوة المهيمنة عليها، علاوة على الرغبة في أن يسهم ذلك أيضا في علاج الضعف الهيكلي الذي يعتري المؤسسات التشريعية الدستورية في المنطقة.
بيد أن الافتراضين الأول والثاني لم تثبت صحتهما على أرض الواقع، إذ إن الحركات الإسلامية أخفقت في إحداث مثل تلك التغيرات المرجوة، ولم تقو على تحقيق إصلاحات دستورية جوهرية واسعة النطاق، وافتقرت كذلك إلى القدرة على ممارسة ضغوطها على الأنظمة، وبالتالي فإن البرلمانات العربية- باستثناء الكويت والمغرب- لم تصبح في ضوء مشاركة الإسلاميين أكثر فعالية أو ديمقراطية، بل إنها ظلت ضعيفة وخاملة وخاضعة للسلطات التنفيذية.
وهناك مسألة أخرى مثيرة للجدل في الوقت الراهن داخل المنطقة، فعند متابعتنا للحركات الإسلامية يتبين لنا أن هناك حركات إسلامية مختلفة قد منيت بخسائر انتخابية مؤثرة وملفتة مثلما حدث أخيراً للحركة الدستورية الإسلامية «حدس» في الكويت وحزب «التنمية والعدالة» في المغرب.
وفي ضوء تلك المستجدات والنتائج الأخيرة، نستطيع القول إن الحركات الإسلامية تمر بتجربة جديدة تستشعر فيها مرارة التعامل مع الخسائر الانتخابية، بعد أن ظلت في الجانب الرابح منذ ثمانينيات القرن الماضي حين واصلت تحقيقها مكاسب وتمددا مستمرين، ولم تذق خلال تلك الحقبة «طعم» الخسائر. أما الآن فهي تمر بما يمكن وصفه بـ»مرحلة» أو «حقبة» جديدة من الخسائر، ومن ثم سيتعين عليها التعامل مع ذلك الواقع الجديد من أجل تحديد موقعها في الخريطة السياسية والتعرف على أسباب ما حدث.
احتكار المشهد
ولعل هذا الواقع الجديد يلقي الضوء على قضيتين مثيرتين للجدل في الوقت الحالي:
- أولاهما، تتعلق بكيفية مراجعة تلك الجماعات الإسلامية لأطروحاتها وآرائها ومرتكزاتها الفكرية الرئيسة النابعة من معتقداتها الإسلامية الجوهرية كالشريعة وغيرها، من أجل بلورة مواقف واضحة حيال القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، حتى تصبح أكثر قدرة على المشاركة والبراغماتية والاعتدال.
- وثانيتهما، ترتبط بكيفية قياس الجماعات الإسلامية لتوازناتها وإعادة تعريفها لنفسها في مقابل الحكومات نفسها. فمن الملفت هنا أن حزب «العدالة والتنمية» في المغرب و»الحركة الدستورية الإسلامية» في الكويت، شاركا في الحياة السياسية برلمانياً وكانا مقربين من حكومتي البلدين، وعلى الرغم من ذلك فقد منيا بخسائر ملحوظة في الآونة الأخيرة، كما أنهما فقدا جاذبيتهما لدى الرأي العام في البلدين.
لهذا أعتقد أن الجماعات الإسلامية تعيش «مرحلة فارقة» في مسارها السياسي، بما يفرض عليها إعادة النظر في الخسائر الانتخابية الكبيرة التي تكبدتها، وكيفية التعاطي مع بيئات سياسية صعبة. لكن بصفة عامة، هناك دروس مستفادة من تلك التجارب التي نلمحها في المشهد السياسي العربي، حيث نستخلص نتيجة مهمة مفادها أن حركات المعارضة (الإسلامية وغير الإسلامية) في المنطقة العربية قد أخفقت بصورة ملحوظة في ممارسة ضغوط على حكومات المنطقة التي ظلت بدورها تحتكر الحياة السياسية من دون منازع بأنظمة أحادية مهيمنة استراتيجياً في المنطقة العربية، وفي المقابل نرى جماعات معارضة متفرقة مشتتة سواء كانت في صورة أحزاب أم منظمات غير حكومية ونخب المثقفين، لتبقى الكلمة الأخيرة والمهيمنة استراتيجياً في أيدي الحكومات وأنظمة الحكم المسيطرة.
عندما يتبدد الإجماع
• «الجريدة»:
في ظل المستجدات الأخيرة التي شهدتها المنطقة بتوصل الأطراف اللبنانية إلى «اتفاق الدوحة» بوساطة قطرية- عربية، وانطلاق اتصالات غير مباشرة بين سورية وإسرائيل بوساطة تركية... هل لدينا عوامل داخلية تساعد على علاج الأوضاع في المنطقة؟ أم أننا من الضرورى دوماً أن نترقب ضغوطاً تأتي من الخارج لإيجاد حلول للقضايا المتعلقة بالديمقراطية وتهدئة الصراعات وعلاج التوترات في المنطقة؟
• بول سالم:
سؤال مهم وجوهري لما فيه من قضايا متشابكة ومعقدة. فمن الناحية المحلية في المنطقة العربية، هناك واقع محلي موجود له هياكله الراسخة ويتمتع بعناصر حاكمة على الصعيد السياسي والاقتصادي التي تهيمن بدورها على حركة مجتمعات مدنية واسعة وأحزاب واستخبارات وأموال. كما أن هناك أنماطاً سلوكية موجودة في المنطقة ذات صلة بطبيعة وشكل الحكومات ونظم الحكم السائدة وكيفية الخضوع لها، هذا بخلاف وجود رصيد معرفي مستمد من ديمقراطيات سابقة شهدتها الدول نفسها أو تجارب عاشتها بلدان أخرى في بقاع مختلفة من العالم.
إذا ما استعرضنا الواقع المحلي في المنطقة العربية، من دون النظر إلى عوامل البيئة الدولية السائدة وتأثيراتها، سنكتشف أن هناك كثيراً من المبررات المحلية التي تدعونا إلى القول إن المنطقة تعيش واقعاً شبه استبدادي.
وأعتقد أن العامل الداخلي بوسعه أن يرتب ضغوطاً على الأنظمة لحضها على إتاحة المزيد من المشاركة السياسية، ولاسيما في بعض الدول العربية التي أحرزت تقدماً في مجالات الاتصالات والاقتصاد واتساعا في طبقاتها المتوسطة وانفتاحا اقتصادياً ومشاركة أكبر في الاقتصاد العالمي. وقد رأينا بعضاً من تلك النتائج في العديد من الدول العربية، غير أنها ليست كافية بالقدر الذي يمكنها من كسر استحواذ نظم الحكم على السلطة.
الانتصار تلو الآخر
ومن دون العودة إلى الحقبة الاستعمارية في العالم، أو حقبة عسكرة سياسات الشرق الأوسط والحركات الثورية بعد عام 1948، التي كان لها جميعها تأثيرات سلبية على المشهد السياسي في المنطقة العربي، سنرى أن البيئة الدولية الراهنة مواتية لإحداث تغييرات مهمة، ولاسيما في ضوء حدثين أو عاملين مهمين وواضحين:
العامل الأول: حالة الإجماع المفترض بأن العالم يتجه صوب الديمقراطية، وهي الحالة التي سادت في الأوساط العالمية منذ عام 1998، وهو إجماع جاء بعد أحداث ميدان «السلام السماوي» (تيانامين) في الصين، ومجيء يلتسين إلى المشهد الروسي وأحداث الكرملين، وما تلاها من أحداث في شرق ووسط أوروبا، وانتشار أدبيات الحرية والديمقراطية. في لحظة معينة شكلت تلك الأحداث جميعها دلالات تؤشر بانتهاء الشمولية وحلول الديمقراطية في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وبأن المستقبل يحمل كثيراً من التوقعات المتفائلة. وبالطبع كانت لتلك التطورات آنذاك تأثيراتها على المنطقة العربية في تلك الفترة.
أما الآن، فإن المشهد يبدو مغايراً بعض الشيء. فنستطيع أن نميز بوضوح أن روسيا تحقق نجاحات جيدة على الصعيد الاقتصادي، من دون تبني الخيار الديمقراطي. والصين كذلك تقدم نموذجاً اقتصادياً مذهلاً من دون أن تطرق أقدامها دروب الديمقراطية على الإطلاق. لذا فإن ذلك الإجماع الدولي الذي ساد في التسعينيات لم يعد موجوداً. وانعكس ذلك بصورة مؤثرة على الجدل الدائر في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبح هناك «نموذج ديمقراطي»، لكن هناك أيضاً في المقابل «نموذج صيني» و»نموذج روسي»، والاثنان حققا نجاحات من دون أن تكون الديمقراطية شرطاً واجباً لإحراز مثل ذلك التقدم.
العامل الثاني: مكانة الولايات المتحدة خلال الفترة من 2003 إلى 2005، وهي الفترة التي شهدت بروزها كقوة مهيمنة وحيدة «هائلة»، وبدت أثناءها أنها تحرز انتصاراً تلو الآخر، كما أن بوسعها فرض أجندتها على الأطراف الأخرى. لذا فإن المشهد وردات الفعل بصفة عامة، تذكرنا آنذاك بما فعلت بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى ومثلما فعلت ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتحولات التي تلتها على مستوى أوروبا بأسرها، وكذلك بروز نموذج اليابان الديمقراطية بدلاً من الإمبراطورية في آسيا. لذا فإنه في لحظة ما خلال بدايات الألفية الثالثة بدا لكثيرين أن هناك أمراً مماثلاً يشهده العالم ومنطقتنا العربية أيضاً.
التجربة التركية
لكن الأمر المهم الذي يتعين الإشارة إليه هنا، يتمثل في ما طرأ من تحولات في تركيا أخيراً، وهو ما يحلو لبعضهم أن يطلق عليه «الطريق الثالث»، وإن كان ذلك يحمل قدراً من المبالغة. فالتحولات التي شهدتها تركيا كانت بمنزلة الإقرار بفشل الشعارات السائدة التي تخيرنا بين «الأبيض» و»الأسود»؛ إما «الطريق الأميركي» وإما «الطريق الإيراني»؛ وأيضاً إما «طريق أميركا» وإما «طريق بن لادن». كما أنها جسدت عودة المنطق والبراغماتية والاعتدال والوسطية إلى المنطقة حيث من الممكن التوفيق بين جملة من المتناقضات.
فمنطق الولايات المتحدة يسعى إلى «سحق» المتناقضات، أو لنقل تحطيمها ومواجهتها بـ»العصا»، وذلك اتساقا مع ذهنية أنه؛ لو واجهتك مشكلة فكل ما يتعين عليك فعله أن «تضربها بالعصا». ذلك هو المفهوم الأميركي الذي اعتنقته للتعاطي مع التناقضات، بينما رأينا أخيراً أن هناك نهجاً تركياً مغايراً بدا ملحوظاً في وساطتها للتغلب على الاختلافات بين سورية وإسرائيل، ورأيناه أيضا عند قطر في مسعاها الأخير للتقريب بين فصيلي 14 و8 آذار في لبنان ومحاولة التوصل إلى تسوية للخلافات بين الفصائل اللبنانية المختلفة.
لا أعرف بالتحديد ما إذا كان لذلك علاقة أو تأثير مباشران فيما نتناوله اليوم من قضايا؟ لكن في ظل تلك الأوضاع على المرء أن يتساءل: هل المنطقة تتجه صوب استقرار أكثر، وخوف أقل، وحروب أقل، وحقد أقل، على نحو قد يجنبنا الانزلاق إلى مرحلة حروب أخرى مثلما حدث في الماضي؟ وهل بوسع المنطقة أن تتنبى سياسات متحضرة تسهم في نهوضها؟
حقيقة الأمر، إن ما يثير اهتمامي بالتجربة التركية، ولا أحب هنا أن أصفها بـ»النموذج»، هو تعاطيها الديمقراطية على نحو يغيب عن غالبية دول المنطقة. وهنا يثار التساؤل: كيف تمكنت تركيا من إنجاح تجربتها الديمقراطية وتحقيق إنجازات اقتصادية راسخة وملفتة؟ من وجهة نظري، فإن تركيا استطاعت أن تقدم لنا أنمودج لنظام سياسي جيد وإنجازات اقتصادية قوية من دون نفط! فهذا إنجاز مثير.
إخفاق الدوحة
• «الجريدة»:
منذ بداية النقاش هناك محاولة لتحييد دور الولايات المتحدة في قضايا الديمقراطية في المنطقة، هل يعني ذلك أن العامل المحلي أو الإقليمي هو العنصر الفاعل في تحديد ما إذا كانت دولة ما تتجه صوب الديمقراطية أو تظل جامدة في موقعها تيمناً بسياسة «الأمر الواقع»؟
• مارينا أوتاوي:
- لا أعتقد أن العامل المحلي شرع في اكتساب أهمية وفعالية أكثر في مقابل الدور الأميركي أو الأوروبي. ودعني هنا أعطِك مثالاً، لقد نجحت قطر عبر وساطتها ومفاوضاتها في الأزمة اللبنانية الأخيرة في التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المتنازعة. لكن إذا تناولنا الأمر بمزيد من الصراحة، هل أنهى «اتفاق الدوحة» المأزق اللبناني بشكل كامل؟ هناك سلسلة من المشكلات والاختلافات المتجذرة في طبيعة الأزمة اللبنانية الداخلية مازالت عصية على الحل ولم تجد مخرجاً حتى الآن. فما حدث في قطر أن هناك مهلة أعطيت للأطراف جميعها بضرورة التوصل إلى حل. فهناك ديناميات عدة وتدخلات سواء كانت إقليمية أم أميركية وأوروبية دفعت الأطراف المشاركة في التفاوض على أرض قطر إلى ضرورة إيجاد حل للأزمة. وبالطبع لولا وجود ديناميات داخلية لما كان سيكتب النجاح للتدخلات الخارجية الدافعة للحل.
• وهنا يعلق د. عمرو حمزاوي في مداخلة له قائلاً:
دعوني أحاول وضع بعض النقاط على الحروف في تلك القضية من خلال إبراز مسارات عدة:
المسار الأول: نحن نمر الآن بلحظة مغايرة في المنطقة العربية بالنظر إلى الدبلوماسية الإقليمية واللاعبين الإقليميين الرئيسيين الذين أصبحوا أكثر حيوية في سعيهم للعب دور أنشط من أجل إيجاد حلول للعديد من القضايا المطروحة في المنطقة، أو على الأقل السعي إلى حل الأزمات الملحة في لبنان وفلسطين والعراق حيث نرصد وجود أطراف عربية وغربية تلعب أدواراً محورية على مستوى الإقليم.
وعلى خلفية أننا نعيش لحظات جمود داخلي حقيقي في المنطقة، فإن ما نشهده من تحركات وأدوار إقليمية تقوم به أنظمة ومؤسسات حكم وحكومات قائمة بالفعل، وهو أمر لا يختلف كثيراً عما اعتدنا مشاهدته خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات حين سعت تلك الانظمة إلى تهدئة الأزمات الطارئة في المنطقة وطرح مبادرات دبلوماسية فعالة مختلفة للتعامل مع القضايا الإقليمية متجاهلة في ذلك أولوية التعاطي مع القضايا المحلية.
الكويت تتقهقر
• «الجريدة»:
لكن لماذا تركز الحكومات والأنظمة على القضايا الإقليمية متناسية الشأن الداخلي؟
• عمرو حمزاوي:
يرجع ذلك إلى أن الأنظمة نفسها بسبب سياساتها المحلية هي المسؤولة عن مثل هذه الأزمات التي تعانيها بعض بلدان المنطقة على الأقل. ويبدو أن بعض الأنظمة العربية المختلفة قد فوجئت بالحراك والروح السياسيين المتصاعدين في الداخل، فضلاً عن النتائج التي أفرزتها الانتخابات السياسية في المنطقة خلال أعوام 2005 و2006 و2007، وظهر ذلك إثر فوز «حماس» في الأراضي الفلسطينية و»الإخوان المسلمين» في مصر. لكن في الوقت الذي تتحمل فيه بعض حكومات المنطقة مسؤولية ما يحدث في الداخل، فإنها واصلت احتكارها للسلطة من دون منازع، وظلت تسود وتهيمن في ظل حالة ضعف شديد تعتري حركات المعارضة ومحدودية خانقة لدور المنظمات غير الحكومية وناشطي المجتمع المدني. وبالتالي فإننا نرى تراجعا وانحساراً في مسؤوليات الأنظمة العربية حيال الداخل بينما تركز في الوقت نفسه على القضايا الإقليمية. فإذا نظرنا للمشهد في المنطقة من الناحية العملية فإننا سنتساءل: هل من الممكن التعامل مع بيئة سياسية تهيمن عليها حكومات عربية وتفتقر في الوقت نفسه للانفتاح على تفعيل دور المنظمات غير الحكومية وحركات المعارضة بصفة عامة؟!
أما المسار الثاني الذي يتعين إلقاء الضوء عليه، فهو ذلك الانطباع المتولد لدى شعوب الدول الخليجية حيال التجربة الديمقراطية في الكويت، والذي يمكن تلخيصه في طبيعة ومسار النقاشات التي تثار داخل الأوساط العربية، وخصوصاً الخليجية، بشأن عيوب الديمقراطية في الكويت. فحتى في أوساط المثقفين الخليجيين، هناك اعتقاد متنام وسائد بأن الكويت تتراجع إلى الوراء اقتصادياً ومالياً وحداثياً إذا قورنت بدولة الإمارات العربية وقطر بسبب خلل الديمقراطية نفسها. فهناك اعتقاد سائد ومتنام في المنطقة بأن «الدمقرطة» ليست استراتيجية كفؤة لمواجهة التحديات التي تواجهها الدول في مراحل التحولات الاقتصادية والاجتماعية ومسيرة التحديث، كما أنها ليست استراتيجية فعالة تضمن استمرار الأنظمة في هيمنتها على مقاليد الحكم استراتيجياً.
العنف سيد الموقف
وبالنظر إلى مصر والأردن، بالطبع طرأت هناك تحولات حقيقية تعكس كيف قامت أنظمة الحكم القائمة في البلدين بـ»استلاب» الواقع السياسي. فخلال عامي 2004 و2005 كانت حكومتا البلدين أقل حماساً وميلاً لإتاحة المزيد من الانفتاح السياسي- ولو نسبياً- كوسيلة للاحتفاظ بهيمنتهما على السلطة في الدولتين. وحتى الآن نرى الحكومتين قد عادتا لممارسة الأمر نفسه على أرض الواقع مع تصاعد استخدامهما لعصا القوة الأمنية في مواجهة التيارات المعارضة، كما أنهما لا يطرحان أي أفكار أو بدائل أخرى في هذا الشأن، باستثناء ما تستخدمه من عمليات إلقاء القبض المتصاعدة على المعارضين وتضييق الخناق على عملهم السياسي وأنشطتهم.
المسار الأخير، يتمثل في التوترات الاجتماعية، وهي أمر لا ينبغي إغفاله حيث تتوافر مؤشرات على تناميها في عدد من الدول العربية خارج منطقة الخليج. فبينما انحسر أثر الحركات السياسية في بعض الدول، رأينا تصاعداً هائلاً في الحركات الاجتماعية في ظل تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية للعديد من سكان تلك الدول ما ساهم في بروز أثر الحركات الاجتماعية كمحرك رئيسي للأحداث على الساحة بلا منازع.
إذا ما عكسنا تلك التطورات على تفاصيل الحياة السياسية في ضوء انسداد الأفق السياسي وهيمنة أنظمة تبدي تمنعها وعدم رغبتها في الانفتاح على تيارات المعارضة أو إجراء إصلاحات سياسية واسعة النطاق في عديد من الدول العربية، فإن المحصلة النهائية للأوضاع تؤشر إلى أن الحركات الاجتماعية بوسعها أن تتصدر قائمة الأحداث في المنطقة العربية، وهو ما يحمل في جنباته مخاطر تعاظم استخدام العنف كمنهج من أجل التغيير، وهو ما رأيناه في مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية.
• قالت الدكتورة مارينا أوتاوي تعقيباً على رأي الدكتور حمزاوي:
الهروب من الشأن الداخلي وتجاهله ليس عنصراً ملائماً يمكننا التعويل عليه بمفرده للتعرف على أسباب انخراط الأنظمة في المنطقة العربية بصورة أكثر ديناميكية للاضطلاع بأدوار أقليمية أكبر، لكن يمكننا تفسيره في ضوء إدراكنا أن هناك خللاً يعتري المنطقة، وأن هناك فراغاً حقيقياً في تلك البقعة من العالم. لأن العالم الخارجي أيضاً لم يعد يلعب دوراً مؤثراً في المنطقة. فالولايات المتحدة لم تعد لاعباً محورياً ويعود ذلك بصورة جزئية إلى أن إدارة بوش أسقطت الطرق الدبلوماسية عند تعاطيها مع قضايا وأزمات المنطقة. وفي ظل واقع يعكس محدودية أثر القوة المستخدمة في المنطقة وعدم قدرتها على التدخل الفعال، ستثار تساؤلات عدة؛ كيف تستطيع الأنظمة في المنطقة العربية التعامل مع قضايا شديدة الالتهاب؟ وكيف تتعامل هذه الأنظمة مع إيران؟ وفي ضوء أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع إيران... فمَن سيتعامل مع إيران؟ ومن سيتولى التعاطي مع فلسطين الضائعة المفقودة؟ خصوصاً أن المفاوضات الدائرة بين الفلسطينيين وإسرائيل فشلت حتى الآن في إيجاد علاج للفوضى التي نراها هناك؟
وحقيقة ما نراه حالياً، يتجسد في أن هناك عدداً من الدول والأنظمة أخذ يشعر بقدر أكبر من الأمان والاستقرار الداخلي ما دفعه إلى السعي إلى محاولة إيجاد حلول للقضايا الشائكة المشتعلة في محيطه الإقليمي في ظل حالة فراغ.
خبراء «كارنيغي»د. غانم النجارباحث في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، وأستاذ علوم سياسية في جامعة الكويت، وخبير دولي في الأمم المتحدة، ومستشار التحرير.
د. مارينا أوتاويكبيرة باحثين في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي- واشنطن، وهي خبيرة في شؤون الشرق الأوسط والديمقراطية والإصلاح السياسي وإعادة الإعمار في مناطق الصراع في الشرق الأوسط والعراق وأفغانستان والبلقان والدول الأفريقية- حاصلة على الدكتوراه من جامعة بافيا في إيطاليا. وصدر أحدث مؤلفاتها في يناير 2008 تحت عنوان: «ماوراء الزيف: الإصلاح السياسي في العالم العربي» بمشاركة جوليا شوكير فيزوسو.
د. بول سالممدير مركز مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي – الشرق الأوسط - بيروت، وهو خبير في قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسي والفساد والشفافية وعمليات حفظ السلام والإصلاح القانوني، كما أنه متخصص في الشؤون اللبنانية والكويتية في المؤسسة. وصدر أحدث مؤلفاته عام 2006 تحت عنوان: «بيروت والكويت: البرلمانيون العرب ضد الفساد». وحاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد.
د. عمرو حمزاويكبير باحثين في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي- واشنطن، وهو خبير في قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، والإسلام السياسي، ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط ومصر ولبنان، وصدر أحدث مؤلفاته عام 2006 تحت عنوان «حقوق الإنسان في العالم العربي: أصوات مستقلة» بمشاركة أنتوني شيز.