مقيتة بحق، كانت كثير من ردود الفعل على أحداث سجن «صيدنايا» العسكري أخيراً. لا يُستثنى من ذلك آراء العديد من القراء العرب الذين أدلوا بدلوهم تعليقاً على الموضوع، ولا عدد من الكتاب أيضاً الذين تعرضوا للحدث في مقالاتهم.
وكانت إحدى الروايات الأكثر انتشاراً عن سبب اندلاع التمرد في السجن المذكور منذ أسبوعين، تحدثت عن تدنيس القرآن من قبل عناصر الشرطة أثناء قيامهم بتفتيش روتيني لمهاجع السجن. تلك الرواية، كانت تفصيلة صغيرة ضمن تفاصيل وروايات كثيرة ومتشعبة في الأخبار التي تناولت ما حدث وتداعياته. لكنها طغت على ما عداها بامتياز من حيث الاستئثار بالانتباه وإثارة ردود الأفعال، وبالنتيجة، انقسمت الآراء، ما بين شامت وسعيد، وفي أفضل الأحوال غير معني بما أطلق عليه هؤلاء «القضاء على الإرهابيين والأصوليين»، وما بين مدين ومستنكر للتعدي على حرمة مقدسات إسلامية! غابت في المعمعة المذكورة تفاصيل اعتبرت غير ذات أهمية بالنسبة إليهم. حدث العصيان، وقوع ضحايا لا يعرف عددهم بالتحديد حتى اللحظة، حقيقة وجود عشرات المعتقلين من غير الإسلاميين في السجن، لوعة العائلات التي تجهل مصير أبنائها، نظام السجون، حقوق السجناء ومدى مراعاتها، الطريق الذي سلكه المعتقلون بدءاً من لحظة اعتقالهم عرفياً مروراً بالتحقيق والمحاكمات الاستثنائية، وأهم من ذلك كله، حرمة الإنسان، حياته وجسده وكرامته، من حيث هو إنسان وبغض النظر عن فكره وعقيدته وإيمانه. الموقف نفسه نراه يتكرر كل يوم، وفي ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المختلفة في أي مكان من هذا العالم. ومتى تعلقت تلك الانتهاكات بقضايا تقترب من بعيد أو قريب من الإسلام والمسلمين، نقرأ ونسمع ندباً ومناحات من أتباع تيار حقوق الإنسان المسلم الملتزم! في حين يأنف هؤلاء عن نقد ما قد يتعرض له نشطاء ديمقراطيون في بلدانهم من انتهاكات وأذية، بل بعضهم يشعر بالتقزز لتدخل منظمات ونشطاء حقوقيين «علمانيين» من بلدانهم لمساعدة ونصرة إسلاميين تعرضوا لانتهاك حقوقهم. وكأن مَن يدافع عن معتقلي غوانتانامو في وجه الحكومة الأميركية، هم من «المجاهدين» أو أئمة المساجد، وليسوا مواطنين غربيين وغير مسلمين. وفي المقابل، يتعفف كثير من الأفراد الحزانى على أوضاع الحريات العامة وحقوق الإنسان في أماكن انتهاكها، من أتباع تيار حقوق الإنسان العلماني المتنور! عن التعبير عن امتعاض مماثل لاعتقال تعسفي وتوابعه يطال النشطاء الإسلاميين، سواء من المنخرطين في العملية السياسية في بلدانهم، أو المتهمين بالتشدد والأصولية. هذا على الرغم من أن أحداً منهم لا يجادل في ضرورة خضوع مجرم جنائي عادي لمحاكمة عادلة ومعاملة إنسانية. لهذا وجد القانون. ولا يستوي تطبيق القانون مع الإجراءات الانتقامية التي يتبرع بها أفراد من الشرطة أو الأمن بحق المتهم. فأي عقيدة أو إيديولوجيا تقوم على تقسيم البشر إلى مراتب بحسب دينهم أولاً، أو موقفهم السياسي أو الفكري، وتجعلهم بناء عليه مستحقين أو غير مستحقين كي يعاملوا بكرامة وإنسانية. مَن يشعر بعقم ذلك التمييز غير الحقوقي وغير الإنساني، هم بشكل أساسي أولئك الذين التاعوا من ظلم وقهر، وكانوا ضحايا لانتهاك حقوقهم أو حقوق أحد من أفراد عائلاتهم. هم مَن يتألمون لتجاهل أو استخفاف بآلامهم ومعاناتهم. وهم مَن يثمنون غالياً أي دعم وتعاطف قد يتلقونه من آخرين، يختلفون معهم على الكثير، ويتفقون على القليل، من مثل ألا تنتهك إنسانيتهم وأن تصان حقوقهم. هؤلاء عرفوا عبر التجربة أن الألم لا يختلف في وقعه بين إنسان وآخر. وأن التصدي لهذا الألم ومسببيه لا يقع على عاتق العشيرة أو الطائفة، ولا يقدر عليه إلا إحساس إنساني غامر يجتمع على رفض الظلم ومحبة العدالة. قد يعيدنا ذلك من جديد إلى ثقافة حقوق الإنسان وضعف تمثلها في مجتمعاتنا واغترابها عن وعينا وسلوكنا. قد يعيدنا إلى آلية إسقاط ما هو عام وشامل وواسع على الخاص غير الواضح والمحدد. على أفكار سجينة مساحاتها المنكمشة باستمرار. على لوائحنا التي لا تنتهي في التقسيم غير العادل للعالم من حولنا إلى عدو وصديق، مؤمن وكافر، وطني وخائن. وهو يعيدنا أكثر من ذلك كله، إلى ما يبدو أنه أضحى مفقوداً أو يكاد لدى كثيرين. المحبة والتعاطف الإنساني. هل هما حرام شرعاً لدى الإسلاميين؟ أم يُعدان من باب التخلف والظلامية لدى غير الإسلاميين؟! * كاتبة سورية
مقالات
ثقافة المحبة!
18-07-2008