في عام 2005 وعلى غير التوقعات، ذهبت جائزة نوبل للآداب الى المسرحي والناشط البريطاني هارولد بنتر، وقد قيل حينئذ، إن أكاديمية نوبل ضربت بذلك ضربتها الكبيرة، بعد الانتقادات الكثيرة التي وجهت إليها، بسبب منحها كتابا لا يستحقونها أو على أقل تقدير كانوا مغمورين، حتى أن أحد أعضاء لجنة الجائزة وَقَّتَ استقالته من اللجنة حينئذ قُبيل منح الجائزة بأيام.
وقبل ايام قليلة فقط من انتهاء عام 2008 رحل هارولد بنتر، الاربعاء الماضي عن 78 عاماً، تاركاً وراءه جدلاً لا ينتهي.معروف أن بنتر كان أحد المنتقدين الكبار للسياسة الاميركية والبريطانية منذ عهد ريغان والمرأة الحديدية مارغريت تاتشر.وقد كانت مواقفه واضحة في هذا المجال، وهو الذي كتب في الفترة الاخيرة عملاً شعرياً جريئاً طرح فيه وعبره أفكاره المناهضة للحرب، وبشاعتها، راثياً في الوقت نفسه الضحايا من الاطفال والنساء والابرياء.قد لا يبدو هذا غريباً عليه، اذا ما عرفنا أنه رفض الانخراط، في فترة شبابه في الخدمة العسكرية ببلاده، مما اضطر الى دفع غرامة مالية بسبب موقفه هذا، غير أن لجنة نوبل رأت حينئذ في هارولد بنتر أحد أهم الرموز المسرحية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وهو «يكشف في أعماله المسرحية المتاهات المتخفية، خلف أحاديث الحياة اليومية، كما أنه يقتحم الأمكنة ومواطن الظلم الخفية».لقد عبر عدد من الكتاب والمسرحيين عن حزنهم لرحيله، فهم يرون ان بنتر هو في الاساس كان كاتباً مسرحياً مؤثراً ليس في بريطانيا وحدها بل في العالم كله.وقد تُرجمت وقُدّمت اعمال هارولد بنتر الى اغلب اللغات الحية بما في ذلك العربية، ولنتذكر هنا سلسلة المسرح العالمي التي اصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت التي قدمت عددا من مسرحياته، «الحارس»، «الارض الحرام»، «الايام الخوالي» و«النادل الاخرس»... إلخ.غير ان أهمية بنتر تكمن في تجديده الكتابة المسرحية، خصوصاً بعد خفوت مسرح العبث عند صموئيل بيكت ويونسكو، كما انه أدخل الى المسرح البريطاني هواءً جديداً استناداً الى تجاربه الحياتية والشخصية، وهو غالباً ما كان يتناول شخصيات تبدو عادية من الخارج، لكنها مسكونة في الداخل بالتمزق والحرمان والسوداوية.وكثيراً ما طرح موضوعات تتعلق بالخوف، والتردد والحرمان والصمت والتهديد والقلق والكراهية، بلغة شغوفة بالمفارقة والسخرية السوداء واللعب على الزمن، وقد عبر عن ثيمة الزمن ليصبح عنصراً محورياً بين الشخصيات في اغلب اعماله، كأن الاحداث المسرحية الفعلية كلها تنبثق من الماضي، عبر استرجاعات ذهنية متواصلة.من هنا تبدو شخصيات هارولد بنتر أمام أزمة تكاد تكون قدراً داخلياً، لكنها عاجزة عن المواجهة في خضم الحياة اليومية، فتبدأ بالاستسلام.غير أن اللغة عند بنتر تشبه «المُحفّز الخلفي» للاحداث، بينما الحوارات غالباً ما تشد الشخصيات الى عوالمها الداخلية لتصبح اشبه بمنولوجات مفعمة بالغموض والعبثية، حتى أن بنتر قال مرة إن شخصياته «غريبة عن نفسها».
توابل
في رحيل امبراطور الخشبة
31-12-2008