بينما أكتب أنا هذا المقال، يكون الشعب الكويتي منشغلاً بانتخاب ممثليه لعضوية مجلس الأمة للسنوات الأربع القادمة، إن لم يحصل طارئ يعكر صفو الحياة النيابية، ويضطر معها حضرة صاحب السمو أمير البلاد، إلى حل المجلس حلاً دستورياً أو غير دستوري. يختار الشعب الكويتي اليوم (السبت الماضي) خمسين عضواً، من بين مئتين وخمسة وسبعين مرشحاً، ولقد تابعت بحرص واهتمام أطروحات عمل المرشحين وبرامجهم، وللأسف لم يكن للثقافة حضور على أجنداتهم، ولم تكن الثقافة أولوية من أولويات طرحهم، ولم تكن الثقافة عنصراً حيوياً يؤمنون بجدوى تناوله والحديث عن همومه.
الكويت اليوم، تتحرك صوب خلق البيئة المناسبة لتكون مركزاً مالياً وتجارياً خليجياً وعربياً وعالمياً. هذا هو الطموح، لكن الكويت قبل هذا وذاك، ومنذ وجودها الأول، عام 1613، ومنذ اهتمام الكويتيين الأوائل بالكلمة والأدب والثقافة، كعنصر مواز لحياتهم، كانت مركزاً ثقافياً وفنياً. الثقافة في الكويت، على الدوام، كانت مثار فخرٍ واعتزاز في الداخل والخارج. منذ اجتمع نفر طيب من رجالات الكويت في ديوانية الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وقرروا إنشاء أول مدرسة نظامية في الكويت، لتفتح أبوابها عام 1912. ومنذ إنشاء الجمعية الخيرية عام 1913، ومنذ تأسيس النادي الأدبي عام 1924، ومنذ أسس الشيخ عبدالعزيز الرشيد أول مجلة في الخليج، مجلة «الكويت» عام 1928، ومنذ أسس عبدالعزيز حسين مجلة «البعثة» لتكون صوتاً للشباب الكويتي المستنير في القاهرة، ومنذ انطلقت مجلة «العربي» عام 1958. نعم، لقد كان الفن والثقافة والكتاب على الدوام جزءاً لا يتجرأ من أجندة الكويتيين ونشاطهم، ومن أولويات اهتمامهم. وربما لهذا، وتزامناً مع انطلاق الدولة الحديثة في الكويت في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، انطلقت حركة فنية ثقافية كبيرة، خلقت للكويت وجهاً ثقافياً مضيئاً، أشع بنوره على من حوله؛ وبسبب ذلك تبوأت الكويت مكانةً وسمعةً مرموقة على الساحة الثقافية والفنية العربية. وصار اسم الكويت علماً مرفرفاً في المحافل الثقافية والفنية. لكن حين أدار المشرّع والمسؤول وجهيهما عن الثقافة والفن، وحين أصبحت الثقافة في آخر سلم الأولويات، حينها هبطت أسهم الثقافة، وانحدر مستوى الفن، وتراجعت الكويت عن دورها التنويري داخلياً وخارجياً، وطغت على الساحة الثقافية في الكويت المظاهر الاحتفالية، بعيداً عن روح الثقافة، وبعيداً عن جوهرها، وبعيداً عن تأثيرها الخلاق في وعي المتلقي. محزن غياب الثقافة والفن الملتزم والمبدع عن أجندة المرشحين. ومحزن أكثر منه تواطؤ الناخبين وموافقتهم على ذلك؛ فإذا كان المرشحون قد تناسوا الثقافة على منابر خطبهم الطنانة الرنانة، وسط انشغالهم بالقضايا السياسية، فما تراه السبب وراء تناسي الناخبين لدور الثقافة والفن؟ إذا كانت الثقافة قد غابت، بوعي أو من دون وعي، عن طرح المرشحين، فلماذا لم ينهض أهل الثقافة بحرفتهم ليناقشوا المرشحين في تقصيرهم؟ وأخيراً كم هو محزن أن يتفق المرشح والناخب على تهميش دور الثقافة؟ وكم هو محزن هذا النكوص الثقافي والفني الذي تعيشه الكويت؟ وهل للكويت وجه مشرق قادر على أن يطلّ على العالم أجمل من وجهها الثقافي والفني؟!
توابل - ثقافات
غياب الثقافة المحزن!
20-05-2008