وسط بيروت
شعورك أيها المواطن، أيها العنيد المتشبث بالهواء، أيها اللامبالي، أيها الطامح الى الفراغ (ليس الفراغ الرئاسي)، أيها المحبط من الغرائز، شعورك وأنت تزور وسط بيروت بعد فك اعتصام المعارضة «العجيب»، شعورك لا تصدقه أنت نفسك على الرغم من أنك لم تكن معنياً بالمدينة من قبل، شعورك لا تصدقه أنت أيها العاقل، أيها الطامح الى خبزك اليومي. كأن هذه المدينة المتوسطية خارجة من كابوس مرعب، كأنها أنزلت عن كتفيها حملاً ثقيلاً بحجم كوكب شمسي، بحجم خيانة زوجية. كأن كل امرىء عاقل في لبنان كان يرزح تحت عبء هذا الحمل الثقيل كالخطابات النضالية. كأن هذه المدينة أنقذت نفسها من مسدس كان موجها الى رأسها.
••••••••• هذا هو شعورك أيها المواطن. لا بأس في الحديث عن الشعور، أو العبور في وسط بيروت. من رأى ساحة رياض الصلح قبل الاعتصام وخلاله وبعده يعرف أن الحقد كان منصباً على مدينة تحب الحياة، على جمهور يحب أن يعيش على هواه وليس وفق ما تريده الخطب الخشبية والعالية النبرة. من رأى وسط بيروت بعد ازالة السواتر والخيم والأسلاك الشائكة، يتحسس خروجه من سجن في نظام توتاليتاري، من رأى جمهور المدينة يدلف الى مقاهيها يحسب أن الجمهور يعيش لحظات عيد رأس السنة، أو كأنه في ليلة حب، في حب أول، كأن المدينة في لحظة شفاء من السرطان. شعورك أيها المواطن بعد الاعتصام بقليل أنك أصبحت تحب المدينة أكثر، بت متعصباً لمكانها ومناخها المسالم وعيشها وجنونها ونسائها وشبانها ونارجيلتها وأرصفتها. شعورك أنك بت تتحدى رصاص الميليشيات برقص هيفا وهبي وصوت فضل شاكر ودلع نانسي عجرم وأصالة ماجدة الرومي ومراهقة «ستار أكاديمي» و «سوبر ستار». تحزن أيها المواطن وأنت تتأمل ضريح الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وصورة بيار الجميل وجبران تويني وتمثال سمير قصير. ••••••••• قالت المرأة الآتية من «الضاحية الجنوبية» الى «منطقة عائشة بكار» إنها تشعر بالفخر والعزة، لأنها تمر في بيروت وكأنها في «الضاحية الجنوبية»، تشاهد رايات حركة «امل» و«حزب الله» على ذرى أعمدة الإنارة. شيء ما في كلامها يشير إلى أن الهدف من الحرب كان «اوزعة» (نسبة الى منطقة الاوزاعي) بيروت من خلال استباحتها وهتك خصوصيتها بزعم حماية خاصرة المقاومة، لا تروق للميليشيات المدينة المنظمة الجميلة، يحبونها تحت رحمة الخراب والفوضى. ••••••••• صرف الكاتب وسام سعادة من عمله لسبب سياسي بامتياز، تلقى تهديداً يحذره من زيارة شارع الحمراء، لسبب سياسي أيضاً. في الإطار نفسه، تروج بعض المواقع الالكترونية التي تحب ما يسمى «الممانعة» بأن الكاتب بلال خبيز مغرم بكاتبة يهودية ويراسل صحيفة هآرتس، إلى ما هنالك من «خبريات» هي بمثابة تحريض على قتل خبيز، الذي كان مقاوماً لاسرائيل قبل ان يأتي «حزب الله» الى المقاومة، أمضى زمناً من عمره في المعتقل الإسرائيلي. هذه هي نتائج «ثقافة» الميليشيات اللبنانية، التي ترفع شعار من ليس معنا فهو خائن وعميل ويهدر دمه وتستباح مدينته.