متى تدرك حكومتنا لدى تعاطيها مع قضية البدون أن زمن العنتريات والخطابات الجهورية الرنانة قد ولى، وأن مفهوم الدولة ذات السيادة قد تغير اليوم في زمن القرية الواحدة والعولمة السياسية والاقتصادية، وفي زمن المنظمات والقوانين والاتفاقيات الدولية؟

Ad

في أغلب الاجتماعات التي تسنى لي حضورها على هامش قضية البدون بوجود الجانب الحكومي، تثار النقطة نفسها من الناشطين المهتمين بحل القضية، في الغالب على استحياء وأحيانا بشكل صريح ومباشر، ويأتي الرد نفسه من ممثلي الحكومة.

في كل مرة يثير الناشطون مسألة أن هناك انتباها والتفاتا دوليا متزايدا من قبل المنظمات الحقوقية العالمية نحو قضية البدون في الكويت، وأن التقارير التي تدين الكويت آخذة في التواتر، مما صار يوقعها في حرج متعاظم في المحافل الدولية، ويثار القلق من احتمالية أن يوصلنا هذا في وقت من الأوقات إلى أن تُجبر الكويت على حل القضية بصورة قد لا ترتضيها، وأن الأجدر بنا أن نسارع في حل القضية بأنفسنا حتى لا تتشوه صورتنا أمام العالم

وفي كل مرة، تأخذ العزة بنفوس الأخوة من الجانب الحكومي، لتأتي الإجابة المقولبة المعلبة نفسها، وبشكل استعراضي مسرحي فاتر بأن الكويت دولة ذات سيادة ولا أحد يستطيع أن يفرض عليها شيئا! حقا إنه شيء يثير الغثيان...

متى يدرك جماعتنا أن زمن العنتريات والخطابات الجهورية الرنانة قد ولى، وأن مفهوم الدولة ذات السيادة قد تغير اليوم في زمن القرية الواحدة والعولمة السياسية والاقتصادية، وفي زمن المنظمات والقوانين والاتفاقيات الدولية؟

عقلية العصر الحجري التي لا ترى أبعد من أرنبة أنفها ولا تشعر بأبعد من محيط حركة أياديها، لا مجال لها لأن تعيش في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات التي جعلت العالم مكشوفا عن ظهر قلب على شبكات التلفزة والإنترنت، وجعلت مقادير الدول والشعوب مرتبطاً بعضها بعضا.

كم رأينا من شعوب وأمم في آسيا وإفريقيا وفي بقية أصقاع الدنيا يتغير شكل مستقبلها، وتكتب صفحاته من جديد بقرارات تصدر في الكونغرس الأميركي، أو في مقر «الناتو» في أوروبا، بل كم رأينا نحن بالذات في الكويت من قضايا تبقى مشلولة جامدة، حتى يتدخل بها «الطرف الخارجي» بشكل من الأشكال لتدب في أوصالها الحياة، ولتصبح رؤي العين وحقائق نافذة من بعد أن كانت خيالات وأحلام!

لندع عنا الجعجعة وصدور الديوك الفارغة المنفوخة ولنتجاوز هذه الشعارات الرنانة. نعم، إن الكويت دولة مستقلة ذات سيادة، ولكن إن وصل الحال إلى أن تضغط المنظمات الحقوقية العالمية، التي أخذت مهمة إنصاف البدون في الكويت على عواتقها، على صناع القرار المؤثرين في العالم، في الشرق والغرب، وبدؤوا يضغطون بدورهم علينا من خلال الأدوات السياسية والاقتصادية، فحينها وبالإضافة إلى السوء الذي ستكون به صورتنا أمام العالم المتحضر حيث سنظهر بهيئة الدولة الهمجية التي داست على الحقوق الإنسانية لمئة ألف إنسان يعيشون على أرضها، أقول حينها سنكون مرغمين على الانصياع للضغط الدولي ولقرارات المنظمات الدولية، وسندرك أن لمقولة «الدولة ذات السيادة» مدلولات أخرى في عالم اليوم، وأننا كنا نتغنى بها على لحن خاطئ!

لكنني وإن كنت قلت ما قلت، فلازلت آمل وأتمنى أن تدرك حكومتنا هذه الحقيقة قبل فوات الأوان، وأن يدرك مسؤولوها ممن يديرون هذا الملف الواضح هذه الحقائق الناصعة، وأن يباشروا بحل القضية بإرادة داخلية قبل أن يأتي الحل من الخارج، وهو في تصوري آت آت لا محالة!