إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

Ad

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.

إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين.

إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.

ضمور العمل الوطني

الحركة الوطنية والقومية كانت قويّة في الكويت منذ الخمسينيات وتعمقت جذورها في ضمير الشعب الكويتي، ولذلك بقيت جذورها إلى يومنا هذا بالرغم من كل ما أصابها من محن بسبب عوامل داخلية ذاتية وإقليمية ودولية.

وسوف أحاول أن أسجل المحطات الرئيسية التي أدت إلى إضعاف العمل الوطني القومي في الكويت. ولعل المحطة الأولى هي الصراع العلني الذي نشأ بين أجنحة النظام عندما أسقط جابر العلي وزارة جابر الأحمد ودخل خالد المسعود في صميم هذا النزاع وأدى انتصار فريق جابر العلي وخالد المسعود الى انضمام بعض عناصرنا النشيطة في الحركة إلى خالد المسعود، وتبعهم الساعون إلى الحصول على مناصب لم يكونوا يحلمون بها.

خالد المسعود لم يطل ابتعاده فلقد فوجئ بتزوير الانتخابات عام 1967 مع أنه كان وزيراً في الحكومة مما أعاده إلى موقفه الأصلي وقدم استقالته من الحكومة، وهذه التجربة أعطتنا درساً آخر مهماً هو ضرورة الابتعاد عن الصراع العائلي الصباحي.

أما المحطة الثانية فكانت الموقف من تزوير الانتخابات في 25/1/1967. لقد خضنا الانتخابات ضمن جبهة عريضة امتدت من رئيس غرفة التجارة إلى رئيس اتحاد العمال الكويتيين. وكان طبيعياً أن تختلف الآراء حول ردة الفعل المطلوبة لحدث بمثل هذه الخطورة، ولأن الجبهة الوطنية كانت واسعة كانت الآراء متفاوتة بين من يطالب بردة فعل قوية بمستوى الحدث ومن يعارض التصعيد الذي لا تعرف نتائجه، بل رأى البعض أن نكتفي بتقديم العرائض والحملة الصحفية والاتصالات ومقاطعة النشاطات الرسمية بلا تظاهر ولا إضراب.

وكنا بين خيارين إما أن نوافق مع الحلفاء حتى نحافظ على التحالف ونطوره، وإما أن ننفرد بالعمل مما يهدد بخسارة حلفائنا.

انتصر الرأي الأول مما أدى إلى الإحباط عند بعض العناصر النشيطة وترك بعضها العمل الحزبي، مما شكل إضعافاً آخر لعملنا، لقد توقع البعض أن ننفرد بالعمل كما حصل أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 عندما رفضنا المهادنة ونزلنا إلى الشارع وانتصرنا. (انظر الجزء الأول من المذكرات).

بعد مدة قصيرة عملت الحكومة على تطويق التحرك الهادئ ومنعت الصحف من نشر أي شيء. لا بل أفهمت التجار أن مصالح المعارضين ستتعرض للخطر، وعندما قام حاكم البحرين بزيارة الكويت، وجهت الدعوة إلى وجهاء البلد بضرورة حضور حفل العشاء لأمير البحرين واعتبار التخلف عن الحضور تمرداً على الأمير سيكون ثمنه غالياً، مما أفشل المقاطعة المتفق عليها.

في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت بعد التزوير مباشرة ساد الوجوم وظهر الارتباك على وجوه الوزراء من أفراد الصباح، لأن التزوير كان فجّاً وواضحاً مما أوحى بأن رئيس مجلس الوزراء كان يفكر في إعادة الانتخابات، على الأقل في بعض الدوائر التي كانت نتائجها لا تصدق، لكنّ أحد الوزراء الشعبيين بادر رئيس الوزراء بالقول «لا تستعجل يا صاحب السمو ادعُ النواب الذين فازوا وشاورهم»، لأن رئيس الوزراء كما يبدو كان خائفاً أن يعتذر معظم النواب الفائزين بسبب الجو الشعبي الرافض لهذه النتائج.

تمت الموافقة على هذا الاقتراح فاستدعى رئيس الوزراء النواب الفائزين الذين فازوا بالتزوير وما كانوا يحلمون بأن يصلوا إلى المجلس فأشادوا بنتائج الانتخابات النزيهة.

عمّ السرور وجوه الوزراء من الصُّباح في الجلسة الثانية وانتهت الأزمة بالنسبة لهم.

وحده الشيخ جابر العلي كان الخاسر، فلقد خسر جميع مرشّحيه في الدائرة العاشرة، ورفض وزراؤه الذين أتى بهم خالد المسعود التضامن معه والاستقالة من الوزارة.

واتضح أن الشيخ سعد العبدالله قد تحالف مع الشيخ جابر الأحمد ضد الشيخ جابر العلي الصباح الذي أصبح يشكل خطرا عليهما.

خطورة ما حدث هو انتصار للخط المعادي للدستور والديمقراطية والمشاركة الشعبية في الحكم. ورشح ضباط الشرطة الذين أشرفوا على التزوير ليقلّدهم الأمير أوسمةً على صدورهم مكافأة لهم في حفلة رسمية بالديوان الأميري تذاع في كل أجهزة الإعلام الحكومية تحدّياً واستخفافاً واحتقاراً لمشاعر الكويتيين، وهكذا كان.

لقد شرب حليب السباع وأصبح لا يعير أي انتباه إلى مشاعر الكويتيين، كما سوف أفصّل لاحقاً، في حواراته بعد تجمعات يوم الاثنين وقيام المجلس الوطني ومعاملته للكويتيين أثناء الاحتلال وبعد زوال الاحتلال مباشرة.

هذه كانت تجربة صعبة، ربما لم نحسن خياراتنا التي أدت إلى تنمر السلطة لكن التجربة هيأت الظروف لفرز أوضح في طبيعة التحالفات التي أتت لاحقاً.

المحطة الثالثة كانت الموقف من مبادرة روجرز للسلام بشأن القضية الفلسطينية وموافقة جمال عبدالناصر عليها. فتاريخ حركة القوميين العرب ونشأتها مرتبط بالقضية الفلسطينية بالدرجة الأولى، فالحق الفلسطيني العربي أمر مقدس لا يمكن المساس به تحت أي ظرف. هذه العناصر القومية لم تقبل بهذه المبادرة وهاجمتها بافتتاحية بمجلة الطليعة بالرغم من قبول عبدالناصر بها مما أزعج العناصر الناصرية. وهنا حدث أكبر انشقاق في العمل الوطني الديمقراطي في الكويت، وظهر ذلك على السطح في انتخابات نادي الاستقلال مما أفرح كل المعادين للعمل الوطني القومي، سواء الذين كانوا في السلطة أو خارجها وأعلن مولد التجمع الوطني الذي خاض الانتخابات بنادي الاستقلال من دون تحقيق أي نتيجة. كان ذلك يوماً مفاجئاً وحزيناً بالنسبة إليّ لأنني في غمرة مهماتي الكثيرة لم أكن مطّلعاً على هذا الصراع الداخلي الذي كان يختمر منذ مدة غير قصيرة.

لقد أصبت بصدمة عنيفة عندما جاءني عبدالمحسن الدويسان إلى البيت ليطلب مني مباركة القائمة المنافسة، فحذرته من ذلك وقلت له: اذهب إلى سامي المنيس وتفاهما على كل شيء، وحذرته من تحويل الخلاف إلى صراع علني يؤدي إلى تقويض العمل الوطني، وأنني سوف أقف بشدة ضد كل محاولة تخريبية. وفي الاجتماع الانتخابي بنادي الاستقلال تكلمت عن خطورة ما يجري ونبهت الجميع إلى أن ما عَجِزَتْ عن تحقيقه القوى المعادية سيتم تحقيقه على أيديكم أنتم، وهذه أكبر جريمة ترتكب بحق طموحات هذا الشعب.

هذا الصراع انتقل إلى الشارع بوسائل عدة وصار يتمّ تبادل الاتهامات الباطلة والمؤلمة وأتاح ذلك لأعداء العمل القومي والوطني المساهمة في مهاجمة العمل الوطني وتشويهه.

هزيمة حزيران

المحطة الرابعة جاءت بعد المؤتمر القومي لحركة القوميين العرب صيف 1968، بعد هزيمة حزيران 1967 التي أحدثت زلزالاً عنيفاً في المنطقة. هذه الهزيمة المذلة أفقدت الكثيرين صوابهم، واعتبرها البعض هزيمة للخط الناصري والقومي وبالتالي تبرّأ عدد كبير من المناضلين من هذا التوجّه ولجأوا إلى العقائد الأخرى المطروحة في الساحة، عند الأحزاب الدينية أو الماركسية- اللينينية من دون التنبه إلى أن هذه الأحزاب كانت موجودة من عشرات السنين من غير أن تستطيع تحقيق أي اختراق سياسي كبير.

هل كانت هذه الهزيمة هي هزيمة للعقيدة أم هزيمة للذين أساءوا فهمها واختاروا طريقاً خاطئاً لتطبيقها على الواقع؟

كانت فرصة عظيمة لأعداء هذه الأمة ليطعنوا في التوجه القومي وينكروا وجود هذه الأمة وإمكان توحيدها ويطبّلوا لكل عقيدة معادية للفكر القومي.

في حركة القوميين العرب، قام نايف حواتمة الذي كان قد انتُدِبَ من قِبل الحركة للعراق للمساعدة بعد أن تعرضت حركة القوميين العرب في العراق لحملة مطاردة شرسة من البعث العراقي، وقد انبهر كما يبدو بالحزب الشيوعي العراقي وبكوادره المناضلة والمثقفة وتاريخه البطولي في النضال لمصلحة الطبقات المهمّشة في المجتمع العراقي فتحوّل إلى ماركسي- لينيني وعدو للفكر القومي وسرعان ما انضمّ إليه محسن إبراهيم وآخرون في بيروت. وبدل أن ينضموا إلى الأحزاب الشيوعية الكثيرة الموجودة قرروا إنشاء حزب شيوعي جديد على أنقاض حركة القوميين العرب، وقد نجحوا في هذا المخطط -إنهاء حركة القومين العرب- من دون أن يتمكنوا من إيجاد البديل الأفضل أو الحزب الناجح، فحزب العمل الشيوعي اللبناني له وجود متواضع والجبهة الشعبية الديمقراطية لم تتقدم على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع كل ما تحملته الجبهة الشعبية من انقسامات متعددة.

هذا الصراع امتد إلى كل تنظيمات حركة القوميين العرب في كل قطر واتخذ أسلوباً دموياً في اليمن الجنوبي وعُمان، ووصل الى التنظيم في الكويت واستهوى العديد من الشباب الممتازين في الحركة واعتبروا العناصر القومية في الحزب برجوازيين وعملاء للصباح في بيانات وزّعوها في الكويت.

لن أسترسل في الحديث عما حدث فهو ليس موضوع هذا الكتاب، وأنا أذكر الأسباب التي أدت إلى إرهاق العمل القومي في الكويت.

دعوة الحوار

والمحطة الخامسة كانت انتخابات 1971، وهنا جاء دور يعقوب يوسف الحميضي حمامة السلام. دعانا إلى الاجتماع في بيته بالشويخ، وكان المدعوون مجموعة من التجار الوطنيين والتجمع الوطني ممثلاً بالأخ جاسم القطامي في محاولة لإنهاء هذا الخلاف المدمّر للعمل الوطني.

كان رأي التجار أن نقاطع الانتخابات بسبب التزوير الذي حصل في انتخابات 1967 والعبث بجداول الانتخابات وقضايا التجنيس، في حين كان رأينا هو المشاركة لإيصال بعض العناصر إلى المجلس لطرح وجهة نظرنا والمحافظة على علاقاتنا مع المواطنين لأننا حريصون على تطوير هذه التجربة الديمقراطية. لكننا سوف نوافق على المقاطعة إذا وضعنا خطة عمل واضحة نلتزم بتنفيذها. فالمقاطعة وحدها لا فائدة منها ما لم تكن ضمن خطة عمل متكاملة.

وكان في ذهننا فشل المقاطعة عندما قررناها إثر تزوير الانتخابات عام 1967 ونقض قرار المقاطعة بعد بضعة أيام عندما لبى التجار دعوة العشاء لحاكم البحرين كما ذكرت سابقاً.

بعد النقاش المطوّل طلب المجتمعون الرجوع إلى إخوانهم لدراسة اقتراحنا.

في الاجتماع الثاني دار نقاش مطول أيضاً لم يثمر عن أي شيء فتمّ تأجيل الاجتماع مرة ثانية.

بعدها ببضعة أيام اتصل بي عبدالعزيز حسين طالباً مقابلتي بصورة عاجلة. ذهبت إليه في مكتبه بالصالحية، فأخبرني أن مجموعة التجار وهو منهم قد اجتمعوا مساء البارحة وقرروا مقاطعة الانتخابات وكلفوا لجنة من ثلاثة هو واحد منهم بإعداد بيان يقول إنهم سيقاطعون الانتخابات ويدعون الجميع إلى المقاطعة، إلا أنه (عبدالعزيز الحسين) اعتذر بحجة السفر لعدم قناعته بهذا الموقف.

اجتمعنا بشكل سريع وقلنا إن إصدار بيان كهذا من دون علمنا ومن دون فشل اجتماعنا هو وضعنا أمام أمر واقع لا نقبل به. فقررنا أن نصدر تصريحاً صحفياً بأننا سوف نشارك في الانتخابات القادمة بشكل رمزي ونرشّح أربعة أشخاص. وقد نشرت صحيفة السياسة في اليوم التالي التصريح على الصفحة الأولى.

هنا دعا يعقوب يوسف الحميضي إلى اجتماع عاجل لأنه فوجئ بذلك. وفي الاجتماع شرحنا تفاصيل ما حدث وقلنا إننا لانزال مستعدين لسحب مرشحينا إذا تمت الموافقة على برنامج عمل وطني نلتزم جميعاً بتنفيذه، ولما لم تكن هناك موافقة على ذلك قام كل طرف بتنفيذ برامجه. هم نشروا بيانهم ونحن حدّدنا مرشحينا وهم: د. أحمد الخطيب وسامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي. وامتنع التجمع الوطني عن ترشيح أي شخص.

نجحنا نحن الأربعة في الانتخابات وذهلنا لردة الفعل الشعبية المؤيدة، فلقد بقينا مدة عشرة أيام -كل في مقره- نستقبل المهنئين من الصباح الباكر إلى الساعة العاشرة مساءً، وهذا لم يحدث في السابق ويعود إلى الغضب الشديد عند أهل الكويت من المجلس المزوَّر والحكومة المزوِّرة للانتخابات. هنا بدأت مرحلة العداء بيننا وبين بعض ملّاك جريدة القبس الممثلة لهذه المجموعة الوطنية.

إنعاش الاخوان

والمحطة الأخيرة هي الوضع الدولي وتغيير الموازين.

فبعد أن حققت معظم الدول استقلالها دفعت أبطالها إلى الصدارة وتجمعوا في دول عدم الانحياز بقيادة تيتو وجواهر لال نهرو وجمال عبدالناصر ونكروما وسوكارنو وآخرين، ووصل المد التحرري في العالم إلى عنفوانه، لكن ضموره بعد أن تحررت دول العالم من الاستعمار وفقدت دول عدم الانحياز قادتها واشتداد الصراع بين المعسكرين أثناء الحرب الباردة أضر بأهدافه السامية. وفقد زخمه بعد أن سقطت كل التحفظات عند المعسكرين للحصول على الأصدقاء، وأصبح عدو عدوي صديقي مهما كانت مواصفاته سيئة.

هنا جاء دور الحركات الدينية في الدول العربية بالتصدي للقوى اليسارية والقومية المعادية للنفوذ الأميركي في المنطقة رغم أن بعضها معاد لأميركا. فقد تحالفت مع بعض الحكومات العربية التي أمدّتها بكل الإمكانات للتصدي لهذه القوى اليسارية والقومية.

ففي الكويت جرت عملية إنعاش لحزب الإخوان المسلمين بعد غيبوبة دامت نحو ثلاثين عاماً، ويذكر كتاب Devil’s Game لكاتبه Robert Dreyfuss كيف أن بعض قياديي الحزب في المنطقة العربية تجمعوا في الكويت ليدشنوا عملهم الجديد بتأسيس بيت التمويل الكويتي بمباركة ومساعدة النظام الذي أعطاهم عقاراً في أحسن وأغلى منطقة تجارية في الكويت حينئذ - المثنّى- وساهمت الحكومة في أغلبية أسهمه تاركة للحزب إدارته، وأعفي هذا البنك من مراقبة البنك المركزي وسمح له بممارسة كل أنواع التجارة.

وهكذا بدأ الحزب باستمالة الكثيرين بتعيينهم في نشاطات البنك المتعددة برواتب مغرية وتمويل كثير من المشاريع للأعضاء والأصدقاء للتنفيع واستغلال الأموال الخيرية في الحصول على تأييد قطاعات واسعة من المحتاجين من البسطاء وما أكثرهم في المجتمعات التي يتحكم فيها الفاسدون. هذه هي البداية المعروفة لكل فرع من هذا الحزب في كل بلد عربي.

ثم سلّمتهم الحكومة وزارة التربية، وأصبحت كوادرهم القيادية هي التي تدير التعليم، فتم تغيير المناهج التعليمية والتوسع بمواد الدين، وأنشئت كلية الشريعة لتخريج الكوادر الحزبية لتوزيعها في كل موقع في الدولة.

وسلّمت وزارة الأوقاف لهم، وتحوّلت كثير من المساجد إلى أوكار حزبية دينية، وتمددت سلطتهم إلى أجهزة الإعلام الرسمية. وحدهم فقط أعطي لهم الحق بجمع التبرعات من دون أية رقابة. فشكلوا لجاناً كثيرة انتشرت في كل زاوية بالكويت بأسماء مختلفة لجمع الأموال، وكانت تصرف هذه الأموال من دون أية رقابة حكومية. تحالفهم مع بعض أركان النظام جعلهم دولة ضمن الدولة، وأصبحوا فوق القانون.

هذه الأحزاب اشتركت في الانتخابات لأول مرة عام 1981 بعد أن أصبح لها وجود ملموس في الساحة. ولم نستغرب أن يكون برنامجها الانتخابي مقتصراً على الهجوم على القوى الوطنية والقومية متهمة إياها بالكفر والفجور منسقة ومتعاونة مع مرشحي السلطة في الانتخابات، ولقد انبهرنا جميعاً باستعمالهم الوسائل الفنية المتقدمة في الدعاية الانتخابية المكلفة مادياً مما يعجز عنه أي مرشح آخر، وشاهدنا صورة تشبه النشاط الإعلامي الأميركي في الحملات الانتخابية.

ومع أنني لست هنا في مجال تقديم دراسة عن الأحزاب الدينية في الكويت، فهذا موضوع يناقشه الكثيرون غيري، إلا أنه لا بدّ من القول إن التعميم لا يجوز. فإذا كان بعض هذه القيادات مرتبطاً بأنظمة أو غيرها فإن هنالك الكثير من الشباب المؤمن الذي بدأت آفاق معرفته تتسع ليميز بين ما هو صالح وما هو طالح.

وما برامجها التي تحقق النمو والتقدم في عالم متطور تتسارع فيه الاختراعات المذهلة، والتي إن لم نواكبها أصبحنا «الهنود الحمر» في القرن الواحد والعشرين.

غداً: ملامح العمل السياسي الجديد