الاستدامة والرخاء

نشر في 21-03-2009
آخر تحديث 21-03-2009 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت ندرك جميعاً الارتباط بين النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان... وبوصفي الأمين العام للأمم المتحدة فأنا أعتقد أن الأمن الاجتماعي والاقتصادي الجماعي يشكل المبدأ الأساسي للعدالة... العدالة الاجتماعية العالمية. بيد أنه لتحقيق هذه الغايات لابد أن نفكر في أجندة الاستدامة.

لقد أصبحت الاستدامة أساساً يقوم عليه كل الفكر الاقتصادي تقريباً الآن. فهي تشكل ضرورة أساسية ليس فقط لاستعادة العافية الاقتصادية اليوم، بل أيضاً لضمان السلام والأمن في الغد.

إن وضع الاستدامة في حسباننا دوماً يشكل ضرورة قصوى، وذلك لأننا باعتبارنا مجتمعاً عالمياً نعيش اليوم على حافة الهاوية. لقد حمل العامان الماضيان لنا سلسلة من الأزمات: الطاقة، والغذاء، وتغير المناخ، والركود العالمي. وأخشى أن يكون الأسوأ في انتظارنا. الحقيقة أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية إذا لم يتم التعامل معها على النحو السليم فقد تتحول إلى أزمة سياسية كاملة النطاق، وهي الأزمة التي لن تخلو من الاضطرابات الاجتماعية، وضعف الحكومات، وغضب الجماهير التي فقدت الثقة في الزعماء وفي المستقبل.

بل لقد أصبحنا فضلاً عن ذلك على مشارف عصر جديد من التقشف. فنحن نواجه المزيد من المشاكل في حين تتضاءل مواردنا. فقد تقلصت الميزانيات الوطنية، وانضغطت برامج المساعدات، وبدأ معين المساهمات الطوعية في النضوب.

ولكن رغم ذلك كله هناك حقيقة ثالثة تدعو إلى التفاؤل: ألا وهي أن التحديات التي نواجهها مترابطة، لذا فإن تعاملنا مع هذه التحديات بحكمة، وإذا نجحنا في تحديد مواطن الارتباط والاستفادة منها فإن الحلول لكل مشكلة قد تصلح كحلول لبقية المشاكل. ويمكننا الحصول على أعظم قدر من الفائدة بما نبذله من جهد جماعي، والعثور على مسارات فعالة دائمة نحو مستقبل أكثر استدامة وشمولاً وازدهاراً.

في إطار قمة العشرين التي استضافتها مدينة لندن أخيراً، أقَـرَّ زعماء العالم صراحة بوجود هذه الروابط، واتفقوا على خطة تحفيز عالمية أصيلة تراعي مصالح كل البلدان، وليس قِـلة منها فحسب. ولقد تصدى هؤلاء الزعماء لنـزعة الحماية وأعلنوا عن اعترافهم بأهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية باعتبارها محركاً للتنمية والنمو وتوفير فرص العمل اللائقة في أنحاء العالم المختلفة. كما اتخذوا خطوة كبرى نحو «صفقة جديدة خضراء» وتعهدوا بالتوصل إلى اتفاق في مؤتمر تغير المناخ الذي تعقده الأمم المتحدة في كوبنهاغن في شهر ديسمبر المقبل.

إن هذا التطور الأخير يشكل أهمية كبرى. فقد رأيت بنفسي كيف تقلصت الطبقات الجليدية في القطب الجنوبي وعلى جبال الإنديز. كما شاهدت آثار إزالة الغابات في منطقة الأمازون بالبرازيل واضمحلال التنوع البيولوجي. والحقيقة أن وجود بعض بلدان منطقة الكاريبي، بما في ذلك أجزاء من ترينيداد وتوباغو، قد يصبح مهدداً إلى حد كبير إذا ما ارتفعت مستويات البحار.

غير أن الزعامة الجريئة الحكيمة ستكون مطلوبة لإتمام اتفاق يخلف «بروتوكول كيوتو» في كوبنهاغن في وقت لاحق من هذا العام. والاتفاق الذي سيتم التوصل إليه هناك لابد أن يكون طموحاً، وفعّالاً، وعادلاً، وأن يعرض على البلدان الغنية الوسيلة للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي بينما تعمل في الوقت نفسه على مساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع التأثيرات الضارة الناجمة عن تغير المناخ.

يتعين علينا أن نحمي الفئات الضعيفة من سكان العالم، بما في ذلك الشعوب الأصلية، كما نحتاج إلى توفير الحوافز المالية للحفاظ على الغابات وسبل عيش أولئك الذين يعتمدون عليها. ومن خلال التعامل مع تحدي تغير المناخ، فنحن أيضاً نتعامل مع الأزمة الاقتصادية- الوظائف الخضراء من أجل النمو الأخضر.

إننا ندرك جميعاً الارتباط بين النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان. وبوصفي الأمين العام للأمم المتحدة فأنا أعتقد أن الأمن الاجتماعي والاقتصادي الجماعي يشكل المبدأ الأساسي للعدالة... العدالة الاجتماعية العالمية. ولكن لتحقيق هذه الغايات فلابد أن نفكر في أجندة الاستدامة ونتعامل معها وفقاً لحقيقتها الأكيدة: فهي في واقع الأمر أجندة للرخاء والازدهار.

ستسنح الفرص لتحقيق هذه الغاية في قمة مجموعة الثماني التي ستعقد في إيطاليا في يوليو وقمة تغير المناخ التي ستعقد في الأمم المتحدة في سبتمبر. ومن جانبي فأنا أتعهد بحشد جهود الأمم المتحدة في البحث عن السبل الحاسمة المنسقة المبتكرة لإنجاز هذه الأجندة.

سنؤسس آلية جديدة لتنسيق التمويل الإضافي لبرامج الأمن الغذائي لمساعدة الدول الضعيفة في تحمل العاصفة. كما سندعم ميثاق الوظائف العالمي، الذي يشكل استراتيجية عالمية للإنعاش لتلبية احتياجات الناس الأساسية للعمل اللائق. وسنطلق تحذير الأمم المتحدة الخاص بالتعرض للخطر، ونجمع المعلومات أولاً بأول بشأن التأثيرات الاجتماعية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية في أنحاء العالم المختلفة.

وختاماً، لابد أن يشكل تضامننا وإيماننا المشترك بالقضية أعظم مصادر قوتنا. فنحن اليوم نقف أمام فرصة سانحة لإعادة صياغة الكيفية التي نستطيع بها كبلدان مختلفة أن نعمل معاً من أجل ابتكار الحلول الجماعية لمشاكلنا الجماعية. والواقع أن الوقت الذي نعيشه اليوم يتطلب نوعاً جديداً من التعددية يعمل كأساس لرخاء جديد ومستدام من أجل الجميع.

* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top