ما كان ضرورياً هذا الاشتباك السياسي الذي افتعله السودان مع مصر، وهو بأمسّ الحاجة إلى هذه الدولة المجاورة الشقيقة، حيث يواجه ظرفاً صعباً ويخوض معركة كسر عظم مع المحكمة الدولية والقوى والدول التي تقف وراءها، فهذا وقت لتحييد الأعداء إذا لم يكُن هناك إمكان لكسبهم، فكيف الأمر وهذه الدولة العربية مؤثرة وفاعلة، وأعلنت مبكراً استهداف الرئيس عمر البشير بهذه الطريقة الفجّة وبهذا الاسلوب غير المقبول.

Ad

لمصر وجهة نظر بكيفية التصدي لهذا الاستهداف الغربي للرئيس عمر حسن البشير، الذي حتى إن كان هناك اعتراض على بعض السياسات التي يتبعها وطريقة تعامله مع الأزمات الداخلية والخارجية، فإنه يبقى رئيس دولة عربية، وكان على الخرطوم أن تستقبل وجهة النظر هذه برحابة صدر، وتتناقش مع المصريين بشأنها من منطلق التفهم والتفاهم، وتتجنب الاستفزاز والتوتير حتى إن كان لها اعتراض جوهري على بعض ما جاء فيها.

إن ما فعله السودان تجاه دولة شقيقة لها دور مؤثر في هذه المنطقة وفي أوروبا والولايات المتحدة، حيث جرت «فبركة» مشكلة المحكمة الدولية، يشبه ما فعلته «حماس» عشية الحرب العدوانية المجرمة التي شنتها اسرائيل على غزة، وكان الأَولى مادام أن غيوم هذه الحرب بدأت تتجمع وبات اندلاعها معروفاً وواضحاً حتى لأصحاب أنصاف العقول، أن تتخذ حركة المقاومة الاسلامية موقفاً غير الموقف الاستعدائي الذي اتخذته، وألّا تسمح بأي استفزاز لمصر التي لا غنى لا عنها ولا عن دورها، خصوصا بالنسبة لقطاع غزة الذي لا عُمق له إلا العُمق المصري.

ثم إنه ما كان على الرئيس البشير مع التقدير للحال النفسية التي يعيشها والهواجس التي باتت تسيطر عليه حتى في ساعات نومه، ان يتفوه بما تفوه به خلال زيارته الاخيرة إلى إقليم دارفور، ويستخدم المفردات التي استخدمها ضد المحكمة الدولية، فهو رئيس دولة وكان يجب ان يزن كل كلمة تصدر عنه بميزان الذهب والألماس قبل إطلاقها، فهو الآن تحت انظار العالم كله ولا يجوز ان يبدو مرتبكاً وغير قادر على السيطرة على ردود أفعاله.

وايضا ألمْ يكُن الافضل له وهو يمر بهذا الوضع الصعب ألّا يتخذ القرار الانفعالي الذي اتخذه وطرد بموجبه المنظمات الإنسانية التي تعمل في السودان منذ فترة بعيدة؟... ألم يكُن من الافضل لو أنه لم يظهر حتى في عيون الغربيين الذين يتعاطفون معه، وكأنه لا يهتم بشعب دارفور الذي هو شعبه، والذي يعيش مآسي فعلية تجعله بأمسّ الحاجة الى هذه المنظمات والهيئات الانسانية؟

ربما ان هذه الصراحة تُغضب الرئيس البشير وتزعج بعض الاشقاء السودانيين، لكن يجب ان يكون معروفاً وواضحاً ان الحرص على السودان وعلى كرامة رئيسه، هو الدافع لكل هذه الصراحة، فهناك مثل يقول «صديقُك من صدقَك»، وهو ينطبق على الحال السودانية الراهنة، حيث من واجب كل عربي مخلص ان يتحدث مع أشقائه بمنتهى الوضوح والصراحة.

كاتب وسياسي أردني