لا تعلموا أبناءكم على عاداتكم

تتجلى هذه الحقيقة حين احتج فقهاء نجد على الملك عبدالعزيز آل سعود عندما أدخل «المظاهر السلبية الدخيلة» في المدارس مثل برامج الرسم وتعليم اللغة الإنكليزية وتعليم الجغرافيا كونها تقر بدوران الأرض وكرويتها، وهي بذلك، في نظرهم، تعلم الكفر والزندقة، بالإضافة إلى رفضهم للمحطات اللاسلكية التي تستخدم الشياطين! ومثال آخر على خوف المحافظين من التجديد، ما حدث، عندما دخلت المدنية العراق، من تحريم لقراءة الجرائد والزي الحديث وقص الشعر والقول إن الجراثيم الحية هي سبب الأمراض.ويلاحظ المراقب للساحة السياسية في الكويت أن ما يحدث من تنازع في الآونة الأخيرة، ليس بين المحافظين والمجددين، بل بين تيار «متشدد» يريد الرجوع بنا إلى الخلف وليس مجرد الثبات على الوضع القائم، وتيار مجدد «ليبرالي» يريد التحرك بالمجتمع إلى الأمام. لذا أصبحت مشيتنا مشوهة لا نعلم إلى أين نحن سائرون... إلى الأمام أم إلى الخلف؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو قام هذا التيار المتشدد وبخطوات حثيثة، كما هو حاصل الآن، بتدمير ركائز الدولة المدنية وتفريغ الدستور من محتواه كله ليستبدلوه بقوانين تفرض مجتمعاً، لا يحكمه سوى المتشددون، وليس له سوى قدم واحدة يحاول الرجوع بها إلى الخلف. لن يتخلص هذا التيار من هذا المأزق إلا إذا تبنى مسلكاً جديدا يحاول من خلاله مواكبة تحديات العصر، أسوة بالمجددين القدامى مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وغيرهم. فقد سعى هؤلاء المجددون إلى «عقلنة» الفكر الديني من خلال الدعوة للاختلاف انطلاقاً من إيمانهم بأن في الاختلاف رحمة. ولن يكون هناك نهضة أو تنمية أو تطور من دون هذا التيار المجدد غير المقيد بعادات وتقاليد الآباء والأجداد، ليبدع بفكره وفنه وأدبه وعلمه، وبالتالي يقفز إلى الأمام ويتجاوز الحاضر إلى المستقبل. أما آن الأوان لتغيير أسلوب تفكيرنا؟ فليبدأ المجددون بأولادهم انطلاقاً من المقولة الحكيمة لعلي بن أبي طالب «لا تعلموا أبناءكم على عاداتكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».