هل يحقق الناخب الكويتي الحلم المرتقب؟

نشر في 11-05-2009
آخر تحديث 11-05-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري السباق الانتخابي للوصول إلى الكرسي الأخضر في مجلس أمة 2009 الكويتي على أشده، فالانتخابات على الأبواب والمعركة حامية، وكل الأسلحة الانتخابية مستخدمة، وبالأخص سلاح الشائعات، والمرشحون القدامى منهم والجدد على قدم وساق منهمكون في التخطيط والتنسيق وعقد التحالفات وكسب الأصوات، يجهدون في إقامة الندوات وإجراء اللقاءات والزيارات، ويكثرون من الوعود ويطلقون التصريحات، ويمنون الناس بالأمنيات، وهم يعلمون أنهم غير قادرين على تحقيقها، ولكن من يحاسبهم بعد الفوز؟!

من يطل على الساحة الكويتية هذه الأيام يجد جدلاً ساخنا، وإن كان أقل مقارنة بالانتخابات السابقة، لكن المجتمع الكويتي مجتمع حيوي مغرم بالجدل الفكري والثقافي بصورة قل نظيرها عبر الساحة العربية، فالندوات واللقاءات والديوانيات تملأ الفضاء الكويتي جدلاً ونقاشاً، ووسائل الإعلام الكويتية منشغلة بالمعترك الانتخابي، والصحف الكويتية تفرد صفحات طوال للفعاليات الانتخابية، وإن كانت لا تخبي تحيزاتها الضمنية لبعض المرشحين.

الكويتي يعتز بتجربته الديمقراطية العريقة، إذ هي أعرق ديمقراطية خليجية، ومع أنه كثير الشكوى من سلبياتها والأكثر نقداً لها، إلا أنه يتمسك بها ولا يرضى أي مساس بها، ولا تناقض في ذلك إذا أدركنا أن سلبيات الديمقراطية تعالج بمزيد من الديمقراطية لا بالانتكاس عنها أو تعطيلها.

يتنافس في هذه الانتخابات حتى الآن (211) مرشحاً على حجز المقاعد العشرة الأولى في خمس دوائر انتخابية، منهم فرسان مخضرمون خاضوا غمار المعارك السابقة وعاصروا مجالس عديدة، ومازالوا مصممين على تكملة المشوار الانتخابي، بينما آثر بعضهم أن يترجل ويستريح، وهناك (17) امرأة قررن المواجهة وعقدن العزم على غزو البرلمان العتيد، تملأ نفوسهن الثقة، وتراودهن الآمال الكبار وعندهن الإرادة والطموح، يتحركن في المجتمع، ويتنقلن بين الدواوين ويقمن الندوات، وقد أصبحن أكثر خبرة وحنكة، فقد أفدن من دروس الإخفاقات السابقة، وهن يجدن تشجيعاً مجتمعياً متزايداً وهناك الكثير من التفاؤلات بازدياد حظوظهن في الوصول للبرلمان.

وقد توقع البرلماني المخضرم أحمد السعدون أن يضم مجلس 2009 (أربع) نساء، لكن الملاحظ أن عدد المرشحات أقل من عددهن في الانتخابات الماضية، وهناك من يشكك في فوز المرأة الكويتية، ويرى أنه حلم مستحيل، وأن الطريق طويل أمام المرأة حتى تصل إلى عضوية البرلمان، فمجتمعاتنا ثقافتها ذكورية لا ترى غير البيت مكاناً للمرأة (الكاتب محمد العيدروس: أن تفوز المرأة حلم مستحيل) ومع تفهمنا لطبيعة الثقافة السياسية السائدة للمجتمعات العربية ومع محدودية عدد المرشحات مقارنة بالمرشحين الرجال إلا أن العديد من المؤشرات تنبئ بإمكانية نجاح المرأة الكويتية في اختراق الحاجز البرلماني، إذا استطاعت إقناع الناخبة الكويتية بجدارتها خصوصا أن عدد الناخبات أكبر من الناخبين في الدوائر الخمس.

إن التحدي الحقيقي أمام المرشحة الكويتية ليس في إقناع الرجال بل في إقناع النساء بكفاءتهن، خصوصا اللاتي يتأثرن بفتاوى دينية ترى في وجود المرأة في البرلمان إثماً وخطيئة، ولعل تصاعد حظوظ المرأة بفوزها هو الدافع المحرك للحركة السلفية لتعكير صفو العرس الديمقراطي عبر توظيف سلاح الفتوى ضد التصويت للمرأة بحجة أن عضوية البرلمان (ولاية عامة) محرمة على المرأة، ومن يدلي بصوته للمرأة فهو آثم.

إن إحياء هذه الفتوى القديمة بعد أن تجازها الواقع السياسي في الكويت وحسمها ولي الأمر، وأقر المجلس قانون الحقوق السياسية للمرأة، شكل صدمة للأوساط السياسية كافة، إذ لا يجوز لجماعة سياسية مخالفة ما أصبح قانوناً سارياً لأن في ذلك مخالفة للطاعة الواجبة لولي الأمر، خصوصا أن من القواعد الشرعية الحاكمة لهذه الجماعة أن حكم ولي الأمر في قضية خلافية يحسمها ويوجب الطاعة، لذلك كانت ردود الأوساط الدينية والسياسية والدستورية قوية وحاسمة في استنكار مسلك الحركة السلفية الذي وصفته المرشحة الدكتورة (أسيل العوضي) بأنه بمنزلة الضرب تحت الحزام.

ويبدو أن الحركة السلفية في الكويت مازالت أسيرة لمفهوم قديم يرى في عضوية المجلس النيابي (ولاية عامة) وهو مفهوم تجاوزه الفقه الحديث، لأن الولاية العامة المحظورة هي الرئاسة العامة للدولة، وهناك من قصرها على (الإمامة العظمى) ثم إن (طبيعة العمل البرلماني) لا تخرج عن أمرين: (الرقابة والتشريع)، والمرأة في الدين الإسلامي غير ممنوعة من ممارسة الرقابة التي تدخل ضمن مفاهيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقتضى الآية الكريمة ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) وكذلك فإن المرأة غير ممنوعة من المشاركة في التشريع في ما يتعلق بشؤون المجتمع المختلفة، وفي حدود المجالات الاجتهادية، فالاجتهاد الشرعي بابه مفتوح للجنسين.

إننا إذ نتمنى نجاح المرأة الكويتية في الوصول للبرلمان فذلك ليس تحيزاً وليس- أيضاً– من باب أن المرأة نصف المجتمع، ومن حقها أن تكون ممثلة في البرلمان، بل لأننا نرى في نجاح المرأة الكويتية في هذه الانتخابات تحقيقاً لهدفين حيويين هما:

أولا: تفنيد مقولة أصبحت راسخة في البنية الثقافية للمجتمعات العربية تقول: إنه لا يمكن للمرأة العربية ومهما ارتفعت كفاءتها أن تنجح بجهودها– وحدها– في أي سباق انتخابي برلماني، أو حتى مجلس بلدي، بحجة أنه لا توجد حتى الآن سابقة واحدة تؤكد نجاح امرأة في انتخابات عامة من دون دعم أو تدخل أو توجيه من السلطة، إن رهاننا كبير على المجتمع الكويتي بثقافته السياسية العريقة وبنظرته المتقدمة للمرأة، فهو المؤهل الأقرب لتفنيد هذه المقولة الرائجة.

ثانياً: وجود المرأة في البرلمان وفي مناطق صنع القرار ليس ترفاً أو مظهرا تجميلياً لإرضاء الخارج أو حتى ترضية للنساء أو استكمالاً للشكل الديمقراطي، بل ذلك ضرورة حيوية لمصلحة المجتمع أولاً وأخيراً، وليس ذلك من أجل المرأة بل إننا نرى في وجود المرأة إلى جانب الرجل في البرلمان وفي المؤسسات العامة، من أجل الرجل نفسه ومن أجل مصلحته، ولمصلحة الأسرة والمجتمع معاً، فالمرأة في البرلمان خير سند لدعاة الإصلاح، وأكبر عون في محاربة الفساد، بل أزعم أن في وجود النساء في البرلمان الكويتي ما يساعد على الارتقاء للمناقشات البرلمانية وفي تهذيب وترشيد السلوكيات، وفي إضفاء جو من المودة والتآلف بين الأعضاء وفي كسر الحدة التي تعتري بعض الأعضاء، بل لعل في وجود الكويتيات في قاعة المجلس ما يخفف من حالتي الاحتقان والتأزم بين السلطتين، ومن يدري فقد يكون وجودها في المجلس بمنزلة صمام أمان ضد شبح الحل غير الدستوري للمجلس القادم.

إن في احتضان البرلمان الكويتي للنساء ما يعيد إلى الكويت بريق تجربتها العريقة، فنجاح الديمقراطية في الكويت نجاح لأهل المنطقة جميعاً.

وختاماً: إن وصول الكويتية إلى البرلمان حلم مرتقب، والناخب الكويتي وحده بيده مفاتيح المجلس القادم، فهل يحقق الحلم المرتقب؟ نرجو ونتمنى ذلك.

* كاتب قطري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top