مدينة الأحلام الجامعية!
الأوامر التغييرية التي بدأت تقفز بالمبالغ المالية اللازمة لتنفيذ الحرم الجامعي إلى مستويات تثير الدهشة والاستفهام حيث تقدر الميزانية اللازمة للمشروع حوالي 3 أضعاف السعر الأساسي... ولم يبدأ التنفيذ بعد.
الحرم الجامعي حلم يراود الآلاف من الطلبة والأساتذة وأولياء الأمور، ويعتبر إضافة حضارية وتنموية من الدرجة الأولى، إذ إن المباني الجامعية تعكس رمزية لمستوى التعليم العالي من مختلف الأبعاد، ومخرجات الجامعة هي أساس بناء الطبقة المتوسطة والإدارة العليا في الدولة، وأساتذة الجامعة هم عماد الثروة البشرية وعصارة البحث العلمي وشبكة التغذية لمؤسسات المجتمع الدولي.ومشروع الشدادية الذي انتظر حوالي نصف قرن من الزمن يؤمل أن يكون بمنزلة الحاضنة لهذا الحلم الطموح، ويعلم الله كم من الجهود قد بذلت على امتداد سنوات طويلة لجمع شتات الكليات الجامعية المتناثرة حتى اليوم في مجمع متكامل وعصري يليق بسمعة الكويت وإمكانياتها المادية والبشرية.وهذا الحلم التعليمي لم يكن ليتحقق لولا الإصرار الشعبي متمثلاً في مجلس الأمة وحركية النقابة الطلابية وأعضاء هيئة التدريس الذين دفعوا هذا المطلب نحو الأمام دائما، في حين كانت الإدارات الجامعية على مدى وجودها المتعاقب منذ الستينيات ملتزمة الصمت المطبق استجابة للقرار السياسي الذي كان يرى وجود حرم جامعي متكامل هاجساً غير مريح في ذروة النشاط الطلابي المتزايد منذ استقلال الكويت.وحتى لا نبخس دور الإدارات الجامعية في تبني مشروع الحرم الجامعي، فقد كان التشجيع والترحيب من خلف الكواليس هو القدر المحدود التي كانت هذه الإدارة تستطيع اظهاره على استحياء، وعلى كل حال فقد نجحت الجهود المتضافرة وفي مقدمها أعضاء مجلس الأمة في تبني قانون المدينة الجامعية، ومن ثم قراره ونقله إلى حيّز الوجود وذلك في عام 2004، وسرعان ما قدم هذا الحلم على طبق من ذهب للإدارة الجامعية للإشراف على المشروع الجبّار وتنفيذه خلال عشر سنوات، وبقيمة إجمالية تصل إلى مليار دينار كويتي وهذا رقم خيالي قياساً بأسعار عام 2004! وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على قانون المدينة الجامعية، لم نرَ سوى سور يحيط بالموقع، ولم يتم أي إنجاز فعلي لأي منشآت، وهذا نذير شؤم رغم إقرار إدارة الجامعة بأن المشروع سوف ينتهي في الوقت المحدد له، والسؤال هو إذا استغرقت مخططات المشروع أربع سنوات ولم تنتهِ بعد... فكم من الوقت يستغرق البناء، والتجهيز والتأثيث والنقل؟! أتمنى أن أكون مخطئاً كما أتمنى أن تأخذ الإدارة الجامعية جانب التحدي والإرادة لتثبت عكس هذا التشاؤم، ولكن السوابق الإنشائية في المباني الجامعية الترقيعية تحكى قصصاً أخرى فلم تسْلَم أي منشأة سواء في كيفان أو العديلية أو الخالدية أو الشويخ من عيوب جمة سواء في التصميم أم البناء أم الصيانة أم السعة المكانية أم القيمة الإجمالية التي تضاعفت بأشكال غريبة وعجيبة!ورغم احترامنا لأشخاص القائمين على الإدارة العليا في الجامعة؛ فهم أساتذة أكاديميون ولا شأن لهم بالمقاولات والإنشاءات ولا حتى الخبرات السابقة لهم مشجعة، ناهيك عن الشبهات التي بدأت تظهر إلى السطح من خلال قيام بعض الأساتذة بتأسيس شركات هندسية وأخرى للمقاولات، وقبول بعضهم الآخر للعمل كموظف واستشاري في الشركات المكلفة بوضع التصميم والدخول في مناقصات المشاريع الجامعية.والأدهى من ذلك، فإن الأوامر التغييرية التي بدأت تقفز بالمبالغ المالية اللازمة لتنفيذ الحرم الجامعي إلى مستويات تثير الدهشة والاستفهام حيث تقدر الميزانية اللازمة للمشروع حوالي 3 أضعاف السعر الأساسي... ولم يبدأ التنفيذ بعد.وقد أثرنا مثل هذه الملاحظات للتوثيق التاريخي في مداخلات مجلس الأمة واجتماعات اللجنة التعليمية وأمام سمو رئيس الوزراء، ونصحنا الجميع بنقل صلاحيات الإشراف والتنفيذ إلى وزارة الأشغال لأنها المعنية مباشرة بالمشاريع الكبرى في الدولة، وذلك حماية للأساتذة والطلبة والكويت وضماناً لتحقيق هذا الحلم الكبير في موعده، وقد أعذر من أنذر!