كلام يستحق التقدير!
ما قاله الرئيس بشار الأسد خلال استقباله وزير الخارجية النرويجي يوم الاثنين الماضي في دمشق من أنه «من الصعب تحقيق أي تقدم إيجابي في الموضوع الفلسطيني (بدون) عودة الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد»، هو بيت القصيد. فالمؤامرة بالأساس أبرزت حركة حماس في وجه منظمة التحرير وأبرزت دولة غزة، بعد انقلاب يونيو العام الماضي، في وجه دولة الضفة الغربية حتى لا يكون هناك أي تقدم إيجابي بالنسبة الى القضية الفلسطينية. جيد ويستحق التقدير، أن يقول الرئيس السوري هذا الذي قاله، فأخطر ما في انقسام الحالة الفلسطينية، سياسياً وجغرافياً، هو وضع المبررات كلها في أيدي الإسرائيليين كي يتملصوا من عملية السلام، وكي يواجهوا الضغط الدولي الذي يتعرضون له بسبب هذا الاستحقاق بالقول إنهم لا يعرفون مع أي طرف فلسطيني سيتفاوضون ولا يعرفون مَن هو الممثل الشرعي والوحيد الذي من المفترض أن يتفاوضوا معه هل هو «حماس» أم منظمة التحرير؟!
إلى ما قبل صفقة «التهدئة»، التي أبرمتها «حماس» قبل أيام مع إسرائيل بوساطة مصرية... والآن مع وجود حديث عن وساطة أوروبية في هذا الخصوص، كان البسطاء وطيبـو القلوب يعتبرون أن المسألة هي أن هناك طرفاً فلسطينياً مفرِّطاً ومساوماً هو منظمة التحرير، وأن هناك طرفاً مقاوماً متمسكاً بالثوابت ويصر على التحرير من البحر إلى النهر، وفوق ذلك استعادة المياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط حتى حدود سماع صياح الديكة في الجزر اليونانية، وهو حركة المقاومة الإسلامية «حماس». أما وقد حصل ما حصل وثبت أن «حماس» ليست حركة ربانية ولا حركة عقائد ولا ثوابت، وأنها حركة سياسية «براغماتية» همَّها كله أن تحكم حتى لو في قطاع غزة وحده، فإنه يجب التفكير مليَّاً في ما قاله الرئيس بشار الأسد: «من الصعب تحقيق أي تقدم إيجابي في الموضوع الفلسطيني (بدون) عودة الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد»... وكيف من الممكن استعادة هذه الوحدة يا تُرى؟ فهل من خلال هذه المفاوضات «الماراثونية» المتعثرة البائسة، أم بدعم طرف لينتصر ويفرض إرادته على الطرف الآخر... أم بماذا؟! بعد توقيع صفقة «التهدئة»، التي غرقت على الفور في رمال غزة المتحركة، قال موسى أبو مرزوق، الذي كان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قبل بروز خالد مشعل الذي بزغ نجمه بداية وأساساً في طهران وليس في دمشق أو غزة أو رام الله: «إن أهم ما في هذه الصفقة أنها جاءت كاعتراف إسرائيلي لا تشوبه شائبة بحركة المقاومة الإسلامية»... وهذا أمر كانت ترفضه هذه الحركة وكان قادتها يعتبرون أن أي حديث حول هذا هو إثم ما بعده إثم. عندما كانت حركة فتح تقول مثل هذا الكلام لـ«حماس»، وهي تفاوضها على ضرورة الانضواء في إطار منظمة التحرير، التي أقر العرب في قمة الرباط عام 1974 بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، واعترف بها معظم دول العالم على هذا الأساس، كان الشبان الملتحون يمدون ألسنتهم في وجهها وفي وجوه قادتها، لكن ها هي الأحداث تثبت بعد توقيع هذه «الصفقة» أن الحقيقة غير ذلك، وأن الهدف هو إقصاء منظمة التحرير وإقصاء المنظمات الفلسطينية كلها والاستئثار بالحالة الفلسطينية وباعتراف إسرائيل بهذه الحالة الفلسطينية. من غير الممكن فعلاً تحقيق أي تقدم إيجابي في الموضوع الفلسطيني مادام هذا الانقسام الفلسطيني قائماً، ومادام أن «حماس» متشبثة بنتائج الانقلاب الذي قامت به وأعطاها دولة في غزة، ومادام أن إسرائيل المعنية باستمرار تمزق الحالة الفلسطينية قد أهدت هذه الحركة تلك «الصفقة» كاعتراف بها، كما قال موسى أبو مرزوق، ومعه كل الحق، ومادام أن دمشق تحتضن خالد مشعل وكل أولئك الذين يرفضون منظمة التحرير ويسعون إلى تدميرها، ومادام أن المال الإيراني «الحلال» يواصل تدفقه على هؤلاء.*كاتب وسياسي أردني