الدخول في خط الاقتصاد والاستثمار المتبادل بين الكويت والعراق سيؤدي الى علاقات سياسية صحية، بعيدة عن الشعارات التي أغرقت المنطقة العربية في وهمٍ لعقود من الزمن.

Ad

يشهد العراق حاليا، وهو في بداية طريق اعادة الاعمار، تسابق الشركات الغربية العملاقة التي حصلت على حصص مجزية منذ عام 2003 لتدشين مشاريعها النفطية والتنموية المختلفة، والتي تضم 16 مجالا لإعادة اعمار ما خربته حروب صدام حسين، وتمتد عقود بعض هذه الشركات الى 25 عاماً، لاسيما تلك التي تعمل في مجال النفط.

حصة استثمارية للكويت

وتبدو مناقشة معالجة الديون الكويتية في ظل ما يجري في العراق من عمليات استثمار جارية ومرتقبة بمليارات الدولارات مهمة جداً، فالكويت لم تنل حصتها بعد في مجال اعادة الاعمار، خصوصا بالنسبة الى المشاريع الصناعية العملاقة التي تنتظر العراق، سواء كانت تلك الحصة عائدة على شركات كويتية تمويلاً وادارة، او شركات اجنبية بتمويل كويتي، ولعل المقارنة ستكون مفيدة بين استثمارات كويتية في دول اخرى بعيدة عنها جغرافيا مع ما يحمل مثل هذا الاستثمار من تكاليف تشغيلية، وبين استثمار في دولة مجاورة تستطيع الوصول الى مواقع عديدة فيها عن طريق البر، وبتكاليف تشغيل اقل.

إعادة رسم العلاقات

ومن المفيد ايضا تعزيز التعاون العراقي- الكويتي بعد حقبة صدام حسين على اسس سياسية واقتصادية جادة وحقيقية، لاسيما مع التحولات الجذرية التي طرأت على خلفية النظام السياسي الحاكم للعراق، والذي انهت القوى الدولية حقبة طويلة ومملة منه، وهي فترة حزب البعث، وهناك مشاريع عديدة يمكن ان تشكل فائدة ثنائية لتعزيز الحالة السياسية بين البلدين مثل تنشيط فكرة الغاز الطبيعي كبديل عن فكرة اسقاط الديون، والدخول في مشاريع ربط الشبكة الكهربائية لدول الجوار مع العراق، الذي يستغل اليوم ما يقارب الـ28 حقلا نفطيا من اصل 80 حقلا.

وتدفع الاحداث الدولية المتتالية الى ضرورة تحكيم العقل من اجل الوصول الى صيغ مقبولة لجميع الاطراف في المنطقة، فملايين القتلى الذين لقوا حتفهم في اوروبا في الحربين العالميتين الاولى والثانية كانوا سيذهبون طي النسيان والحسرة لو لم تتبع تلك الاحداث المأساوية رغبة الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية في ارساء دعائم الحكم الديمقراطي والتغيير السلمي وصولا الى صيغة الاتحاد الاوروبي التي خففت من آلام الشعوب الاوروبية.

سلبيات الضغط العالي

ولابد من أخذ الحيطة والحذر من الضغوط الدولية القوية التي تفرض احيانا على قرارات الدول الصغيرة وتطلعاتها، ويمكن القول ان تطبيع العلاقات السورية اللبنانية اخيرا لم يأت برغبة من الطرفين، وانما بضغط من فرنسا، الأمر الذي يحتم على الدول الصغيرة ضرورة استخدام اوراقها التفاوضية احسن استخدام، وما حصل في عام 1990 لم يكن قراراً عراقياً بحتاً وانما جاء ضمن لعبة دولية استفادت اطراف كثيرة من ورائها، وكان ذلك احد اسباب معاناة دولة الكويت.

ولعل الآثار المدمرة التي انسحبت على الكويت إبان وبعد الغزو العراقي لم يستطع الزمن، رغم مرور 18 سنة، ان يمحوها الى الآن بسبب ضعف التقدم في ارساء علاقات ثنائية لاسيما من الجانب العراقي، وحدث ان تم حل الكثير من الملفات عبر مجلس الأمن وقراراته.

الدولار الأميركي

ولعل التغيير المرتقب والذي سيأتي نتيجة الانتخابات الاميركية سيشكل عاملا مؤثراً في العلاقات بين العراق ودول الجوار، لاسيما مع الحديث عن ضرورة الانسحاب الكلي للقوات الاميركية من العراق، ورغم الصراع بين فريقي السياسة الخارجية والدفاع والأمن في الادارة الاميركية، فإن قراراً استراتيجياً يتعلق بوجود القوات الاميركية في العراق لن يكون عرضة للتسرع، وينسحب ذلك حتى على تشكيلة الكونغرس وسيطرة اغلبية من حزب عليه، ويبقى ان القرار الاميركي يخضع في نهاية الأمر الى مؤسسات تعنى بالمصلحة الاميركية جيدا ومهما يكون، فإن الوجود الاميركي في المنطقة وفي العراق لمدة معلومة يعد ضروريا لتشجيع التعاطي الديمقراطي في لعبة السلطة والادارة داخل العراق، وربما يفرض مع الوقت نوعاً جديداً حتى على شكل الحكومة العراقية وصولاً الى مرحلة التهدئة والحوار التي تقود الى التنمية.

وعودة الى موضوع الملفات العالقة بين الكويت والعراق، فإنها بالنسبة الى علاقات اخرى بين دول مختلفة تعد غير عصية على الحل، إن خضعت الى لغة الحوار العقلاني، بشرط تعاون الطرف العراقي بشكل ادق والذي يبدو انه في حالة ارتباك مؤقت الى حين ترتيب اوراقه السياسية على الارض.